Advertise here

أي مستقبل ينتظر الجزائر بعد التحولات العاصفة؟

12 نيسان 2019 19:22:13

يرفض الجزائريون تقليد رئيس مجلس الأمة عبد القادر بن صالح المقرب من الرئيس المخلوع عبد العزيز بوتفليقة، منصب الرئيس المؤقت للبلاد، على الرغم من إصداره مرسوماً رئاسياً دعا فيه الهيئة الناخبة للانتخابات الرئاسية يوم 4 تموز المقبل، ضمن المهلة التي يمنحه أيها الدستور، وبعد أن تعهد في أول خطاب له اثر توليه منصب رئيس الدولة، تنظيم الانتخابات الرئاسية في غضون 90 يوما (ابتداء من التاسع من نيسان) وتسليم السلطة للرئيس "المنتخب ديمقراطيا". وعبر الجزائريون غي تظاهرات الجمعة الثامنة الصاخبة والتي عمت أرجاء الولايات في انحاء البلاد كافة إجراءات مجلس الأمة، وجددوا مطالبتهم برحيل عبد القادر بن صالح وأكدوا رفضهم تولي أي من أركان النظام السابق مهام المرحلة الانتقالية.

ومنذ إعلان نبأ تولي بن صالح مقام الرئيس بالوكالة، تجمهر الآلاف في ساحة البريد وسط الجزائر وطالبوه بالرحيل، رغم انتشار عناصر الشرطة وقوات مكافحة الشعب التي استخدمت خراطيم المياه والقنابل المسيلة للدموع لتفريق المتظاهرين.

اختيار بن صالح لتولي رئاسة المرحلة الانتقالية، كان أمراً متوقعا على الرغم من رفض الجزائريين له، ومعارضته من قبل العديد من الأحزاب السياسية، إلا أن المفاجأة التي صدمت الجزائريين كانت موقف رئيس أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح، الذي أعلن أن "الجيش سيسهر على تسيير المرحلة الانتقالية"، واصفاً خلال حديث صحفي المرحلة الحالية بالحاسمة وتقتضي من "أبناء الشعب الجزائري التحلي بالوعي والصبر والفطنة، من أجل تحقيق المطالب الشعبية والخروج بالبلاد إلى بر الأمان".

وكشف إن الجيش "سجل ظهور محاولات دخول لأطراف أجنبية على خط التظاهرات والمسيرات، انطلاقاً من خلافات تاريخية لضرب استقرار البلاد وبث الفتنة بين أبناء الشعب الواحد"، ما أشاع كلامه مؤشرات توجس في الأوساط الجزائرية، وأثار القلق من سيناريوهات قد تعيد البلاد الى ما قبل الحراك الشعبي، في 22 شباط.

كما أشاعت التحركات الأمنية قوات الشرطة، وتبنّي للخطة الأمنية الجديدة في التعامل مع المتظاهرين، أجواء رفض ومشاعر غضب في صفوف الشباب الجزائري، حيث شهدت بعض المدن الجزائرية في الساعات الماضية، وقبل انطلاق تظاهرات الجمعة الثامنة انتشاراً كثيفاً لقوى الأمن، في مناطق عديدة من البلاد، لا سيما وسط الجزائر العاصمة وساحة البريد وقرب المقر الرئاسي.

لكن حالة الزهو والانتصار التي عاشها الجزائريون خلال الأسابيع السبعة السابقة، ورقي المشهد السلمي لتظاهراتهم، التي شاهدها العالم عبر الشاشات وأدت الى رحيل بوتفليقة، شكلت حافزاً أساسياً في صفوف النخب الشابة، التي قررت اختراق الطوق الأمني وسط العاصمة بصورة سلمية راقية، فتجمع مئات الألاف من المحتجين أمام مكتب البريد المركزي منذ صباح اليوم (الجمعة الثامنة)، رافعين أعلام الجزائر والشعارات المطالبة برحيل النظام وبقايا رموزه، على الرغم من التعزيزات الأمنية المشددة على مداخل العاصمة، وإغلاق محطات المترو، وتوقيف خط الترامواي والقطارات المؤدية إلى العاصمة، للتحفيف من حجم المشاركة الشعبية.

مصادر جزائرية مشاركة في احتجاجات الجمعة الثامنة، قالت في اتصال مع "الانباء"، أنه "لأول مرة منذ انطلاق الاحتجاجات، اصطف العشرات من رجال الشرطة خوذاتهم ودروعهم لمنع المحتجين من الوصول إلى قلب العاصمة، لكن بضع مئات من الشباب المتظاهرين كانوا قد أمضوا الليل في الساحة، ووافتهم مجموعات إضافية منذ ساعات الفجر الأولى  تجمعوا في الساحة وتسلقوا السلم الكبير للمبنى، واستقبلوا قوات الشرطة بالصفير حين وصلت الى المكان".

وأردفت المصادر قائلة "أنه بعد ساعات قليلة، أحاطت الشرطة بالمتظاهرين وحاولت إبعادهم عن درجات السلم، لكن المتظاهرين وهم أكبر عدداً، التفوا حولهم وراحوا يهتفون (سلمية سلمية)".

وبعد ذلك فتحوا الطريق امام الشرطة للانسحاب من الساحة، فيما انطلقت حناجر النساء بالزغاريد. وقال بعضهم للشرطيين: "انتم أولادنا نحن ضد نظام المافيا".وصاح البعض باتجاه عناصر الشرطة "يا بوليس، أخلع خوذتك وتظاهر معنا".

وقد احتشد آلاف تباعا في الساحة الى ان بلغت التظاهرات ذروتها بعد صلاة الجمعة، وقد هتف الجميع بأصواتهم الغاضبة "لا لبن صالح".

وكما في وسط العاصمة كذلك في معظم ولايات الجزائر، في سطيف، قسنطينة، البويرة، بجاية، تيزي وزوو، البليدة، تلمسان، طالب المحتجون برحيل بقايا النظام، وتطبيق المادتين 7 و8 من الدستور.

وحملوا شعارات مناهضة للنظام، ورافضة للالتفاف حول مطلبهم الرئيسي. ومن بين الشعارات التي رفعت "الشعب ضد النظام شكلا ومضمونا"، "ارحلوا"، "الشعب هو السيد".

المصادر الجزائرية اعتبرت تظاهرات الجمعة الثامنة بمثابة الرد الشعبي القوي على تصريحات قائد أركان الجيش، لإعلانه التمسك ب بن صالح، حيث رصدت مجموعة شعارات كانت تحملها مجموعة من طلبة الجامعة تقول: "اسمعها منا يا قايد صالح: يجب أن ترحلوا جميعاً"، كما عكف آخرون على كتابة شعارات أخرى "يا عسكر يا شرطة احمونا من العصابة".

بعد تظاهرات الجمعة الثامنة الحاسمة، بما تحمل من رسائل واضحة ورداً صلباً وموحدا رافضاً للحلول الجزئية، يترقب المتابعين للحراك الجزائري، موقفاً جديداً لقائد أركان الجيش، قد يتبلور في الأيام القليلة القادمة، حيث يتوقع البعض تنحي بن صالح، وتشكيل مجلس رئاسي يضم من المعارضين وبعض الشخصيات المقبولة من الشعب، وتنظيم انتخابات نيابية ورئاسية والدخول في ورشة وإصلاح النظام.

فيما يخشى أخرين انتقال عدوى الانقلاب السودانية الى الجزائر ما قد يخلط الأوراق ويغرق البلاد في الفوضى.