Advertise here

لبنان من المارونية السياسية إلى الثنائية الشيعية

16 تشرين الأول 2021 16:09:03 - آخر تحديث: 16 تشرين الأول 2021 18:44:06

يقول البعض إنّ التاريخ يعيد نفسه، ولكن تتقلب الظروف وتتغيّر الأطراف، ونادراً ما يتعظ البعض من الأحداث. ويفوت هذا البعض أخذ العبر، وتدارك الأسوأ في المستقبل. وعندما أعطى الانتداب الفرنسي امتيازات للطائفة المارونية، دخل لبنان في المأزق الطائفي، واستكملت الامتيازات مع ميثاق 1943 بين بشارة الخوري ورياض الصلح، حيث أصبحت مكرّسة دستورياً أو من خلال ما يسمى بالعُرْف.

شعرت باقي الطوائف بالغُبن اللّاحق بها على شتى المستويات، وحاول المعلّم كمال جنبلاط إخراج لبنان من المأزق الطائفي من خلال تقديم مشروع وطني يؤدي إلى بعض التنازلات من أجل تحسين وضع كافة اللبنانيين على حدٍ سواء، لكي لا يتم التفريق في المواطنية بين ما يسمى "ابن ست" و"ابن جارية "، وذلك عبر البرنامج المرحلي للإصلاح للحركة الوطنية اللبنانية. إلّا أنّ ما كان يسمّى بأرباب المارونية السياسة، وتحديداً عبر أقطاب الجبهة اللبنانية، رفضوا تقديم الحد الأدنى من التنازلات لتطوير النظام اللبناني، ودخل لبنان في الحرب الأهلية عام 1975، نتيجة عوامل داخلية وخارجية، وكان الإمام موسى الصدر قد أسّس "حركة المحرومين" في مطلع السبعينيات نتيجة الغبن الذي كان يلحق بالطائفة الشيعية.

مع نجاح ثورة الخميني عام 1979، وتغيير النظام في إيران، وتحوّلها إلى جمهورية إسلامية، ورفع شعار "تصدير الثورة"إلى الخارج عبر الحرس الثوري الإيراني، بدأت تتغيّر الصورة الإقليمية في المنطقة، وتقاطعت مع الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، وما تلا ذلك من تغييرات جذرية على الساحة اللبنانية للقوى السياسية، ودخول النفوذ الإيراني إلى لبنان عبر تأسيس "حزب الله"، وتغيّر الواقع الداخلي على الساحة المسيحية، إذ قُضي على المارونية السياسية عبر الخط السياسي من خلال التنازلات التي قُدّمت في اتّفاق الطائف، والتي فاقت بكثير ما نادى به كمال جنبلاط ورُفض آنذاك، وعبر الخط العسكري مع نشوب حرب الإلغاء بين ميشال عون والقوات اللبنانية. 

وفي المقابل، وحّدت حرب إقليم التفاح التي اندلعت  بين حركة أمل وحزب الله القرار على الأرض ليكون بيد حزب الله، والذي انعكس سيطرة النفوذ الإيراني على النفوذ السوري، أقلّه على الساحة الجنوبية في لبنان.

وبطبيعة الحال أثمرت المصالح المشتركة، بين النظام السوري والجمهورية الإسلامية في إيران، توسيع النفوذ الإيراني عبر حزب الله وانتقل بذلك من المواجهة المفتوحة على الحدود مع إسرائيل إلى الانخراط في الصراع السياسي الداخلي في الدولة، وبدأ نفوذه يتوسّع في كافة إدارات الدولة. ولكي يكسب غطاءه التمثيلي ظهرت للعلن تسمية الثنائية الشيعية التي ورثت دور المارونية السياسية بامتيازاتها، ولكن عبر طرق وأساليب مختلفة.

بعد أن ثبت لهذه الثنائية عدم القدرة على تحقيق المثالثة في النظام اللبناني ( سنّة – شيعة – مسيحيين )، لأسباب إقليمية ودولية، عوضاً عن المناصفة (مسيحيين – مسلمين) عمدَ حزب الله إلى فرض المثالثة كأمر واقع عبر امتلاكه حق النقض الفيتو، فعطّل عهدَيْ انتخاب رئيس للبلاد، كما عطّل عدة مرات تشكيل حكومات، كما أنّه يشرف على كافة قرارات الدولة. 

وها هي البلاد تدخل مجدداً في المواجهات الطائفية، وكأنّ قدر اللبنانيين أن يعيشوا في دوامة عنف بين الحين والآخر بالرغم من مآسي الوضع الاقتصادي الذي ينعكس على حياتهم المعيشية.

كل كلام كان يصدر عن العيش المشترك، أو الانصهار الوطني، هو حبرٌ على ورق، والدعوات للانتقال إلى دولة مدنية هي شعارات فضفاضة ورنّانة لا تعكس ذهنية، ولا واقع، مطلقيها. لن تـُبنى المؤسّسات طالما سيف المحاصصات المذهبية مسلط على كيان الدولة، فهيبتها اندثرت طالما هنالك من يهدّد ومن يتوعد.

إن التاريخ لا يرحم: يومٌ لك ويوم عليك، ومهما عانت مجموعةٌ من الحرمان فهذا ليس تبريراً لأن تصبح من الظالمين، والشعور بالخوف على المصير يمتلك نفوس كافة المواطنين،  إنّه تاريخ لبنان الحافل بالتقلّبات والتغييرات. 

على الجميع أن يتعظ ويقرأ صفحات التاريخ مجدداً، فالاعتماد على القوة أدخل لبنان في حروب لم تُحمد عقباها والآتي أعظم. فحذار أن يشهد لبنان تكراراً لفصول حكم المارونية السياسية عبر الثنائية الشيعية، وإن اختلفت الأسماء والشعارات والمواقع.

 

*رئيس جمعية كمال جنبلاط الفكرية

 
هذه الصفحة مخصّصة لنشر الآراء والمقالات الواردة إلى جريدة "الأنبـاء".