Advertise here

الحسابات الجديدة في احتفالية «الأطلسي»

12 نيسان 2019 08:20:00 - آخر تحديث: 20 تموز 2020 16:22:39

في ذات القاعة التي وقَّع فيها رؤساء 12 دولة مع الرئيس الأمريكي هاري ترومان، اتفاقية تأسيس حلف شمال الأطلسي في 4/4/1949 في واشنطن؛ احتفل وزراء خارجية دول الحلف الذي أصبح عددهم 29 في ذكرى ولادة الحلف بعد 70 عاماً. والاحتفال هذا العام له معان خاصة، كونه جاء بعد خلافات بين قادة الحلف حول مواضيع متعددة، خصوصاً بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وكل من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، وقد وصل التباين إلى حد دعوة الرئيس الفرنسي لتشكيل جيش موحد للدفاع عن أوروبا، بينما هدد ترامب بانسحاب من الحلف إذا لم تزد الدول الأوروبية من مساهماتها المالية في موازنة الحلف.

اجتماع وزراء خارجية الحلف في واشنطن في 4 إبريل/نيسان فرضته حسابات جديدة، منها التسوية التي نجح في تسويقها أمين عام الحلف ينس ستولتنبرغ الذي تمَّ التجديد له في منصبه لولاية جديدة، وقضت التسوية بتفعيل الخطة الأمريكية التي تفضي إلى اعتماد اندفاعة جديدة تكبح جماح «العدوان الروسي» - كما سماه وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية مايك بومبيو أمام الاجتماع - كذلك اعتماد سياسة مواجهة جديدة للتهديدات القادمة من الصين وإيران. وكان الرئيس ترامب يتهم الحلف بالمهادنة أكثر مما ينبغي مع الخصوم، وقال إن المباحثات المباشرة مع موسكو أكثر جدوى من تأثيرات حلف الناتو فيها.

وقد اتفق المجتمعون في واشنطن على تفعيل العمليات العسكرية في البحر الأسود، بما في ذلك إقامة مناورات دورية مع أوكرانيا وجورجيا، وزيادة التدريبات مع قواتهما في مياه البحر، وتجاوز المحددات التي وضعتها روسيا على الملاحة في بحر آزوف، بحيث تشترط روسيا موافقة مُسبقة على أي إبحار في مضيق كيرتش الذي يربط البحر الأسود ببحر آزوف، كما هو معمول به مع المضايق التركية، وهذا ما ترفضه دول حلف الأطلسي. وقد استنكرت جميعها إقدام البحرية الروسية على احتجاز ثلاث سفن أوكرانية في مضيق كيرتش في 25/11/2018، رافضين الحجة الروسية، بينما روسيا تعتبر أنها تتصرف وفقاً لما يفرضه القانون الدولي، باعتبار مضيق كيرتش يقع ضمن مياهها الإقليمية.

والأمين العام ستولتنبرغ عمل مع القيادات الأمريكية المختلفة على تغيير رأي الرئيس ترامب من الحلف، وقد نجح في إقناع رئيسة الكونجرس نانسي بيلوسي بعقد جلسة خاصة يلقي فيها خطاباً أمام المجلس، يشرح فيها سياسة الحلف، ويوضِّح الحاجة لبقائه.

وبالفعل فقد كان خطاب ستولتنبرغ أمام الكونجرس مؤثراً، وقوبل بالتصفيق أكثر من مرة، خصوصاً عندما تحدث ستولتنبرغ عن مهمة ردع روسيا عن اعتداءاتها على أوكرانيا وجورجيا، ومكافحة تمدد خطرها الإلكتروني، وقال «إن حلف الأطلسي هو الأهم في التاريخ، والتحديات أمامه ما زالت قائمة».

وفي الحسابات الجديدة التي أخذها حلف الأطلسي بالاعتبار؛ التوتر في بحر البلطيق، لاسيما بعد انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من معاهدة حظر الصواريخ متوسطة المدى القادرة على حمل رؤوس نووية للعام 1987، بعد أن توقفت روسيا عن الالتزام بالمعاهدة بحجة وجوب أن تضم المعاهدة دولاً كبرى لم تكن من الشركاء قبل 40 عاماً، كالصين على سبيل المثال. وقد قرر الحلف أيضاً؛ توسيع مسافات الاستطلاعات فوق البلطيق، وفي المناطق الشمالية لأوروبا القريبة من الحدود الروسية.

أما المعادلة الجديدة التي طُرحت أمام مؤتمر الحلف في واشنطن؛ فهي التحدي الذي فرضته المعادلة التركية الجديدة، والتي تُطرح لأول مرة أمام قيادة الناتو. فتركيا العضوة في الحلف، أصرَّت على صفقة شراء منظومة صواريخ مضادة من طراز أس - 400 الروسية المتطورة، بينما تعتبر الولايات المتحدة أن هذا الأمر مُخالف لمعاهدة إنشاء حلف الأطلسي، لأنه قد يؤدي مع الوقت إلى كشف الأسرار الاستراتيجية أمام الأعداء.

وقد تضامن مع موقف واشنطن أعضاء الحلف الآخرون في هذه المسألة، لكن وزير خارجية تركيا مولود جاويش أوغلو الذي شارك في اجتماع واشنطن، قال:«إن صفقة الصواريخ مع موسكو باتت محسومة ولا يمكن أن تلغى».

واشنطن ردت على موقف أنقرة، وعلَّقت عملية تسليم تركيا طائرتين من طراز «أف - 35» وهي من الأحدث في ترسانتها العسكرية. 

حسابات أطلسية جديدة حملها مؤتمر الحلف في واشنطن هذا العام. وقد تكون أولى نتائج هذه الحسابات إعادة التماسُك إلى صفوف الحلف بعد الاهتزاز الذي أصابه في السنتين الماضيتين، ولكن هذه الحسابات قد تؤدي إلى تفاقُم التوترات الدولية بين الشرق والغرب، بعد مقاربة خلط الأوراق التي غلبت على توجهات السنوات الماضية.