Advertise here

مع أولى زخات المطر... عندما قالوا: حواء والتفاحة!

07 تشرين الأول 2021 12:00:28 - آخر تحديث: 07 تشرين الأول 2021 12:06:26

تساقطت زخات من المطر... دقّت على بابي، عزفت على زجاج نوافذي، وقالت: اِتبعيني!
اِتبعيني أمسح الشقاء عن جبين طين غادرَته الحياة! أغسلُ غباراً  كمّ أفواه الأوراق والأغصان! 
اِتبعيني أزرعُ الحياة في غياهب الموت، وأرتقي بها فوق فوق التراب! 
اِتبعيني فراشةً تتنقل بين الأوراق، تسرُّ لحنًا في أذنِ حنينٍ نائمٍ خاف من بَلل قطراتي، غافلٍ عن أنّ في كلٍ منها حياة!
اِتبعيني أُخفي دمعةَ مشتاقٍ، دمعة حزينٍ، دمعة من غدر به الزمان!
اِتبعيني أدفئُ بشالي من يرتجف من ظلم البشر!
اِتبعيني لنحلّق فوق السحاب، تحت البحار، فوق حدود الأمل... هناك حيث لا رياء، لا ظلام، لا نفاق، لا ألم... 
اِتبعيني...
ومن دون أن أدري، وكأنني لا أمتلك «لا» أو «نعم»... مددتُ يدي، بسطتُها وعانقتُ هذه الزخات ورحلتُ... حلّقتُ معها بين الشجر، في الغابات البعيدة من فوق الأثير... غصتُ معها إلى أعماق البحار، وخضتُ معها في الأنهار، وفي الجداول، وفي مياه الينابيع... عرّجنا على رحم الأرض فإذا به يبشّر بمولود جديد!
الأرض كلها رحم كبير! ملايين المواليد ننتظر!
ما أجمل رؤية ملايين الأجنة، وإن اختلفت، تبدأ في شق طريقها نحو الحياة! 
كيف يمكن وصف هذا الشعور؟ كيف يمكن لكلمات أن تعبّر عن وقْع رؤية الحياة تتحضّر انطلاقًا من بذرة أو نطفة لتكون كائنًا كاملاً؟ زهرة أو شجرة أو نبتة أو عشبة أو أرنبًا أو أفعى أو...؟
«إنّ الأرض رحم كبير!» 
«نعم! إنها منطلق الحياة؛ لا موت ينتصر فيها، لأنها من الموات تنبت الحي، وتُبدع في أشكاله وألوانه وتتفنّن! هي في حركة دائمة لا تتوقف. حتى عندما ترَيْنها صامتة، هادئة، ساكنة، فإنها تكون في قمة حركتها التي لا تُدرَك إلاّ ممن يملكُ الإدراكَ! وعندما تعتقدين أنها نامت واستكانت وهدأت، تكون قد أحالت صوتها نسيمًا حفيفًا يداعب شغاف المخلوقات في تسابيحها!»
«هي حياة أي إنها عطاء وثراء وحنان وجِنان! أي إنها أم!»
«نعم! هي أم... حواء هي، منبت الحياة وحاضنتها!»
«حواء أخرجت آدم من الجنة، أهي حوّاء أخرى يا تُرى؟!»
طرقاتٌ هي ضحكات... «حواء هي حواء... إنها رمز التضحية والحنان والعطاء والإبداع والإلهام! في رحمها تتولّد الحياة، ومن دونها لا أمل لغد يُنتظر! إنها الجمال ومبدأ الجمال! إنها الحب والنغم والعزف وكل الرقصات! إنها الغد !
قد تكون أخرجت آدم من الجنة – كما يقولون- لكنها أنزلتْه جنّةً من نوع آخر... جنة يصنعها بيديه، يتذوّقها، يلمسها، يشمها، يبصرها، يسمعها، يناجيها بالكلمات بالأصوات بدقات القلب... 
أحقًا تعتقدين بأنها أخرجت آدم من الجنة؟!»
«لا أعلم... هكذا يقولون... وأنتِ، ماذا تقولين؟»
«لا أعلم ما أقول، ما أملكه هنا هو السؤال: إذا كانت هي من أغوته، ألم يكن يدرك هو أنّ لكل فعلٍ عاقبة؟ لماذا لم يعقل قبل أن يفعل أي قبْلَ أن يأكل من الفاكهة المحرمة؟..»
«تفاحة هي»
«تفاحة أو تينة لا يهم، المهم أنها فاكهة محرمة...  وهو قَبِل الغواية – إذا وُجدت – ولكل فعل عاقبة...»
«...هو شريك إذًا؟؟؟»
«ما لنا ولما يُقال؟! دعينا نكمل رحلتنا في رحم الحياة مع أولى زخات المطر...».
 

 
هذه الصفحة مخصّصة لنشر الآراء والمقالات الواردة إلى جريدة "الأنبـاء".