Advertise here

عن "المنظومة" ومكوّناتها!

02 تشرين الأول 2021 09:26:46

دخل مصطلح "المنظومة" إلى الحياة السياسيّة والإعلاميّة بُعيد إنطلاق الاحتجاجات الشعبيّة في السابع عشر من تشرين الأول/ أكتوبر 2019، وسرعان ما تولّد منه مصطلح شعبي يعكس الفكرة نفسها نال إنتشاراً واسعاً كالنار في الهشيم ألا وهو: "كلهن يعني كلهن".

غالباً ما تترافق التحركات الشعبيّة مع شعاراتٍ وعناوين تعكس حالة الغضب العارم عند المواطنين جرّاء التراجع الرهيب في مستوى المعيشة والارتفاع الكبير في نسب الفساد والإفساد (حدوث الرشوة، على سبيل المثال، يتطلبُ وجود من يرشي ومن يرتشي). وإذا كانت بعض تلك العناوين تعكس إعتراضاً مشروعاً، إلا أن التعميم الذي ترتكز إليه هذه العناوين قائم على تبسيط وتسطيح للوقائع التاريخيّة وللأحداث الراهنة.

أن يُعمّم شعار ما فيضع الجميع في سلة واحدة فهو يُساهم تماماً في تجهيل الفاعلين الحقيقيين والمسؤولين الفعليين عن المأزق والحالة المزرية التي وصلت إليها البلاد. لا شك أن مختلف الأطراف السياسيّة تتحمّل المسؤوليّة بشكل أو بآخر، وبنسب متفاوتة بحسب أحجامها وأوزانها ومشاركتها في السلطة. ولكن هذا لا يعني أن التسطيح السياسي الذي يرافق إطلاق الإتهامات هو صحيح أو أنّه حتى يصب في مصلحة مطلقيه.

ماذا يعني أن تُتهم أطراف لها نضالاتها التاريخيّة ومواقفها المشهودة في معارك الحريّة والديمقراطيّة والكرامة، وفي الوقت ذاته، تُتهم في السلة ذاتها أطراف أخرى صادرت القرار السياسي في البلد وإنتهكت سيادته ودفعت به نحو محاور إقليميّة سياساتها وأجنداتها مدمرة بكل ما للكلمة من معنى؟

هل أن القوى التغييريّة الجديدة، مثلاً، تملك مقارباتٍ جديدة بإمكانها أن تقدّمها للرأي العام بهدف إقناع الشرائح المترددة بالتصويت لها؟ أين هي الكوادر السياسيّة التي ستقارع الأحزاب التقليديّة في الانتخابات النيابيّة (وحتى البلديّة والاختياريّة) في الربيع المقبل؟ ما هي المشاريع التي ستخوض الانتخابات على أساسها؟

لا شك أن الدفاع عمّا يُسمّى "الطبقة السياسيّة" أو "المنظومة" هو مهمة مستحيلة بفعل الواقع المأزوم غير المسبوق الذي تعيشه البلاد، ولكن على الرغم من ضراوة الأزمة المعيشيّة الخانقة، فإن ثمّة مسؤوليّة على العاملين في الشأن العام والطامحين الجدد بإقتحام أسواره تقتضي بأن يتم تقييم الواقع بعناية بعيداً عن إلقاء التهم يميناً ويساراً.

إن المنطق الالغائي للقوى التي تحمل شعار الثورة والتغيير يناقض الأسس التي تدّعي تلك الجهات أنّها تريد مكافحتها. ثمّة أطراف سياسيّة لها جمهورها وتاريخها الذي لا يُمكن أن يُشطب بشحطة قلم. ثمّة قوى ملتصقة مع المواطنين منذ عقود، ولا يمكن إستبدالها بمجرّد السعي المنهجي لتهشيم صورتها بطريقة ثأريّة سوداويّة مناقضة للصورة "الحضاريّة" البراقة التي تحاول أن تطل من خلالها. القضيّة أعقد من ذلك.

لو أن بعض تلك الأطراف أدركت حقيقة التاريخ اللبناني، وطبيعة التوازنات السياسيّة فيه، لربما كانت ساهمت فعلاً في إرساء قواعد جديدة للعمل السياسي بدءاً من الانتخابات المقبلة.

"العفاف السياسي" ليس موجوداً عند الفئات الجديدة، كما هو مفقود عند الكثير من الشرائح القديمة. ألا يمكن ممارسة السياسة بأخلاقٍ في هذا البلد؟