عبد الناصر ظاهرة استثنائية غير مسبوقة
29 أيلول 2021
10:37
Article Content
أهمية الرجل إنّما تكمن في أنّه فتح الباب على مرحلةٍ جديدة من تاريخ العالم العربي باسم مشروعه الذي حمله للانقلاب (الثورة). وكانت البداية في كتابه "فلسفة الثورة" الذي يتضمّن طموحه في إخراج مصر أولاً، وإخراج العالم العربي، من الوضع المأساوي الذي كان يسيطر على المشهد في كل مكان من أربعينيات القرن الماضي على وجه التحديد، وهو مشروع رومانسي طموح. لكن عبد الناصر عاد فاكتشف متأخراً أنّ الرومانسية لا تصنع تغييراّ بمقدار ما تعبّر عن المشاعر في اتّجاه ذلك التغيير .واكتشف أيضاً أنّ وسيلته في مصر، وفي العالم العربي، لتحقيق طموحاته كانت حافلة بأخطاء قادته إلى هزائم عسكرية وسياسية هزّت مشروعه النهضوي، والإنجازات التي حقّقها، بسبب الإدارة الخاطئة بالرغم من التفاف الملايين في مصر، والعالم العربي، وأفريقيا، حول قيادته، والاشتراكية بصيغتها الناصرية، ومشروعه العربي الوحدوي .
وإذ حاول عبد الناصر بعد هزيمة عام 1967، أن يستخلص الدروس من التجربة القاسية ومن مرارة الهزيمة، فإنّه ظلّ من الأساس أسير طموحاته الرومانسية، وأسير النمط الفردي والحزب الواحد في قيادة الدولة والمجتمع. لكنّه لم ييأس، وناضل بكل الوسائل لتجديد مشروعه. تمثّل ذلك التجديد في إحداث تغييرٍ جوهري في بنية المؤسّسة العسكرية. وعندما اكتملت عملية التغيير باشر بتنفيذ الخطة التي وضعها لحرب الاستنزاف في منطقة القنال، تمهيداً للعبور الذي قام به بالنيابة عنه، بعد وفاته، الرئيس السادات بشكلٍ مشوّه، ومختلفٍ بنتائجه عمّا كان يحلم هو به.
أمّا التجديد بالجانب السياسي فتمثّل في أمرين: الأمر الأول، في سعيه لاستيعاب جميع القوى الوطنية والديموقراطية، لا سيّما كافة أهل اليسار في الاتجاه الاشتراكي من أجل تأمين شروط النجاح في خطّته الجديدة.
الأمر الثاني تمثّل في إعطاء المرحلة الجديدة شعاره الشهير: "النضال لإزالة آثار العدوان".
وبالرغم من كل ما ارتبط بتلك المرحلة من عناصر خلل في قيادة الرئيس جمال عبد الناصر لتلك الحركة في مصر، وفي العالم العربي، وحتى في أفريقيا، فإنّ شخصيّته تعبّر عن ظاهرة استثنائية غير مسبوقة في التاريخ الحديث للعالم العربي .
*رئيس الحركة اليسارية اللبنانية
إعلان