الإطباق على الأزمة بـ"كماشة" صندوق النقد و"ماكينزي"

22 أيلول 2021 07:34:46

نفضت حكومة "معاً للانقاذ" الغبار عن خطة "ماكينزي"، معيدة إياها إلى "فاترينا" البيان الوزاري. فوضعتها جنباً إلى جنب مع "تحف" التعاون مع صندوق النقد، والمُبادرة الفرنسيّة وتوصيات الإصلاح والتعافي لمؤتمر سيدر... وغيرها الكثير من "حليّ" عدة العمل. "واجهة العرض" اكتملت بـ"إكسسوارات" براقة، لن تلبث أن تصدأ وتبهت إن لم "تُبل" اليد فيها يومياً، ويعاد استعمالها بما يخدم الوطن والاقتصاد.

بعد إهمالٍ متعمد لتوصياتها، فرضه الرفاه المصطنع قبل انفجار الأزمة في خريف 2019، عادت خطة "ماكينزي" التي وضعت في العام 2018 إلى دائرة الضوء من جديد. حيث لحظت خطة الحكومة الحالية "الإستفادة من توصياتها، خاصةً لجهة دعم القطاعات الإنتاجية كافة تمهيداً للتحوّل من الإقتصاد الريعي إلى الاقتصاد المُنتج، تحقيقاً للعدالة الإجتماعية". والخطة باختصار توصي بالعمل خلال خمس سنوات (2020 - 2025) على تطوير قطاعات الزراعة والصناعة والسياحة واقتصاد المعرفة والخدمات المالية. وذلك بهدف زيادة حصة هذه القطاعات من الناتج المحلي إلى أكثر من 35 في المئة، وتوليد ما لا يقل عن 350 ألف فرصة عمل سنوياً وخفض نسبة الدين العام من الناتج المحلي.

أولوية الإنتاج

خلال "محنة" العامين المنصرمين أدرك اللبنانيون على مختلف المستويات أن أحد عناصر الخروج من الأزمة هو تعزيز الانتاج. إلا أن هذا الإدراك يبقى مجرد نظريات إن لم يترافق مع خطة واضحة، وتنظيم دقيق، وتأمين التمويل وإعطاء الحوافز. وهنا "يأتي دور خطة ماكينزي"، يقول "عرابها" وزير الإقتصاد السابق رائد خوري. فالخطة من وجهة نظره لها اهمية مضاعفة في يومنا هذا لثلاثة أسباب رئيسية:

الأول، تحولها من مجرد عنصر مساعد لنمو الإقتصاد يمكن تأجيله، إلى طريق شبه وحيد للانقاذ.

الثاني، ارتفاع فرص وامكانيات تطبيقها. نظراً لتراجع كلفة الانتاج واليد العاملة وزيادة القدرة التنافسية للمنتجات اللبنانية في الأسواق الداخلية والخارجية.

الثالث، تحولها إلى الباب الأساسي لدخول العملة الصعبة من عمليات الإستثمار بالانتاج والتصدير، بعد تراجع التدفقات النقدية المباشرة إلى القطاع المصرفي.

وعليه لم يعد هناك من خيار "إلا خطة ماكنزي"، بحسب خوري، "خصوصاً أنها تفصيلية وليست نظرية. وهي لا تكتفي بالاطار العام، بل تحدد القطاعات الإنتاجية التي تملك قيمة مضافة مرتفعة، وكيفية تطويرها، والسبل والطرق الآيلة لذلك، والعوائد المرجوه منها على القطاع بحد ذاته والاقتصاد بشكل عام". وهي أوصت على الذكر لا الحصر بزراعة الحشيشة لأغراض طبية. والتركيز على الصناعات الغذائية والدوائية ومستحضرات التجميل. وتعزيز السياحة الدينية والثقافية إلى جانب سياحة الأعمال والإستشفاء. ومن المهم برأي خوري "معرفة نقاط القوة، والاستثمار فيها. انطلاقاً من طبيعة الأرض، والجغرافيا، ودراسة المحيط، وعدم توفر المواد الأولية، والطبيعية الجينية "DNA" للفرد اللبناني، وتأثير الانتشار اللبناني في الخارج". هذه العوامل تؤدي برأيه إلى "الوصول بدقة إلى تحديد القطاعات الفرعية التي تعطي قيمة مضافة مرتفعة في حال التركيز عليها. من دون أن نغفل أهمية متابعتها بالقوانين الضرورية والاجراءات التحفيزية والمساعدات المعنوية والحمائية لفترة معينة من قبل الدولة. هذا إلى جانب توفير المناخ السياسي والامني والقضائي المساعد على الاستقرار لتشجيع العمل والاستثمار.

الإطار التطبيقي

من بعد تحديد الكادر العريض للخطة، يبقى الناقص الذي يعيق التنفيذ على أرض الواقع هو عدم وجود لغاية اللحظة الإطار التطبيقي. فصعوبة تنفيذ الخطة هي بتطلبها إقرار مشاريع قوانين على صعيد مجلس النواب وتحديدها أهدافاً محددة وبجدول زمني مع الوزارات المعنية. من هنا ولتسهيل العمل بتوجيهات الخطة يقترح خوري "تشكيل لجنة مؤلفة من ممثلين عن الرئاسات الثلاث تعطى الصلاحيات للمتابعة مع الوزارات ومجلس النواب، وفكفكة المشاكل وتخطي العوائق البيروقراطية التي تمنع التنفيذ". وبالتالي تكون هذه اللجنة بمثابة المسرع والمسهل لتطبيق الخطة، بعيداً عن اللجان الوزارية التي عادة ما تكون جامدة وتخضع لجدول عمل الوزراء وكيفية تعاطيهم مع بعضهم البعض".

مساران حتميان

بالاضافة إلى تطبيق خطة "ماكينزي"، يتطلب الخروج من الأزمة العمل بالتوازي مع "صندوق النقد الدولي". فالاخير هو بمثابة "الدمغة التي تصادق على أن لبنان يسير في الطريق الصحيح"، برأي خوري. و"بالاضافة إلى المساعدات المباشرة التي سيحصل عليها لبنان، يشجع الدخول في برنامج مع الصندوق بقية الدول على تقديم المساعدات والقروض والعودة إلى الاستثمار في القطاعات التي رسمت ماكينزي خطة تطويرها. وهذان المنفذان أي خطة ماكينزي وصندوق النقد، يتحدان في مخرج واحد كبير يؤمن العبور من عنق "زجاجة" الأزمة وبدء مرحلة التعافي.

التمويل

الخطة لا تتطلب تمويلاً عاماً. وباستثناء تطوير البنية التحتية وإعطاء بعض الحوافز الضريبية والمالية المفروض تقديمها من الحكومة لتخطي الانكماش ومساعدة الشركات على الإقلاع، فان ثقل الاستثمار يقع على عاتق القطاع الخاص. وبقدر ما هو ميسر هذا الموضوع، بقدر ما هو معقد. فالمستثمرون سواء كانوا لبنانيين أم اجانب، والمغتربون والشركات والصناديق العالمية لن تضخ اموالاً في الاقتصاد من دون توفر الضمانات التي تعود عليهم بأصل المبلغ قبل الفوائد ساعة يريدون. هذا من جهة، أما من الجهة الثانية فان لبنان خسر خلال هذه الأزمة القطاع المصرفي القوي والمعافى، والذي وصل حجم استثماره في القطاع الخاص في وقت من الأوقات إلى رقم يوازي الناتج المحلي الإجمالي. وبدلاً من أن تكون المصارف "الظهير الخلفي" للخطة تحولت إلى عبء بحاجة إلى الإنقاذ. فمن أين سيتأمن التمويل للاستثمار في القطاعات الانتاجية؟ وهل من رغبة أساساً عند أصحابها بتطويرها وتكبيرها؟ يجيب خوري بأننا "محكومون باعادة النهوض بالقطاع المصرفي لأنه بمثابة "الزيت" في "محرك" الاقتصاد. وهذا يتم من خلال خلق القوانين والتعاميم التي تعيد رسملة القطاع ونشاطه وإدخاله في عالم التكنولوجيا والمكننة وE-Banking. من الجهة الأخرى، فان الدخول في برنامج مع صندوق النقد الدولي واعادة هيكلة القطاع العام وتأمين الاصلاحات، وتحديداً في الكهرباء، كلها عوامل تساعد على تحفيز الاستثمار في القطاعات الانتاجية. فلبنان يملك مقومات نجاح كبيرة. ويستطيع النهوض سريعاً انطلاقاً من طبيعة اللبناني الذي "ينسى ويسامح"، إلا أنه لا يمكن الاستمرار بجلده. فالقطاع الخاص هذه المرة لن يأخذ المبادرة إلا عندما تبرهن السلطة أنها سلكت طريق الاصلاحات بجدية.

إذا كان النموذج السابق مجرد فقاعة، كبرت وانفجرت في وجه الجميع، فان المطلوب اليوم إعادة النظر بالسياسات التي أدت إلى الإفلاس وتغييرها. إذ لم يعد بمقدور الحكومات الإتكال على مصرف لبنان لتغطية عوراتها. وإن لم يسيروا بـ"طريق الإصلاح والإنتاج فان فشلهم محتوم ونهايتهم اكيدة"، خلاصة يؤكد عليها خوري، الذي يرى أنه لو أخذ البلد منعطف الإنتاج منذ 5 سنوات وتوقف عن الترقيع بالاستدانة من المركزي لكنا اليوم في مرحلة التعافي والصعود، وليس الهبوط الحاد. وإذا كانت الفرصة ما زالت سانحة فان تضييعها بعدم العمل الجدي ستكون نتائجه كارثية على كل المستويات.