Advertise here

أبو الحسن من مجلس النواب: فرصة الانقاذ متاحة مع ولادة الحكومة.. ومدخل الإستقرار التفاوض مع صندوق النقد

20 أيلول 2021 14:29:50 - آخر تحديث: 20 أيلول 2021 16:05:16

في سياق جلسة مجلس النواب المنعقدة في قصر الأونيسكو اليوم لمناقشة البيان الوزاري، ألقى أمين سر كتلة اللقاء الديمقراطي النائب هادي أبو الحسن كلمةً جاء فيها:

دولة الرئيس، الزميلات والزملاء الكرام الحكومة العتيدة،

للمرة الثالثة على التوالي في غضون ثلاثة أعوام نقف على منبر المجلس النيابي لنناقش برامج وبيانات الحكومات المتعاقبة. 

للمرة الثالثة يتكرر المشهد نفسه ويتردد الكلام ذاته فيما المفارقة المقلقة اليوم أننا نقف ايضاً عند مفترق طرق خطير ومصيري سيحدد مستقبل لبنان ووجهه ووجهته وبقاءه، مما يضعنا جميعاً امام مسؤولية تاريخية لا تحتمل التردد والأخطاء، ولا تحتمل إتّباع النهج السابق الذي سبب الإخفاقات التي اودت بالبلاد والعباد الى الجحيم والهلاك.

أربعون شهراً مضوا منذ الانتخابات النيابية الأخيرة وحتى اليوم ،  ثلاثة وعشرون شهراً منهم شكلوا فترات مثقلة بالقلق والقهر والإذلال ، نتيجة التعطيل والمراوحة والمغامرة والإستنزاف ، فمن أجل ماذا كل هذا ؟ ولأجل من ايها السادة ؟

وهل يحق لمن يتولى شؤون الناس ان يذل الناس ويقهرهم ويضع الوطن بأسره في مهب الريح؟ وهل يحق لأي كان مهما علا شأنه ان يزج الوطن في آتون صراعات لا يقوى على تحمّلها ؟ و هل من المقبول بأن يعمد من يتولى شؤون الناس الى أسر شعب بأسره من أجل مكاسب لا قيمة لها قياساً بالأثمان الباهظة التي يدفعها اللبنانيون؟ وهل من اللائق ان نرى قادةً ومسؤولين يدّعون القوة والقدرة واستقلالية القرار يخضعون لضغوطات خارجية للإفراج عن حكومة طال إحتجازها في اغلال الحسابات السطحية او العميقة ؟ بالله عليكم اي ادارة للبلاد هذه؟ فأين السيادة الحقيقية والكرامة الوطنية؟ 

كيف ومن سيعوض خسائر اللبنانيين وأكلاف تضحياتهم ؟ بإسم الناس نسأل فهل من يجيب؟

سنوات مضت، فكم جلبت من دمار  وعبث ومآسٍ وسقطات على كل المستويات ؟ وبعد كل ما حصل من حقنا أن نسأل ما جدوى الوعود والاقوال دون افعال ؟ وما قيمة الكلام دون العمل والإلتزام؟

لن ازيد في توصيف السياسات الماضية، ولن نتحول الى ندّابين على حالنا واحوالنا، ولا نرغب في إضفاء اجواء سلبية قاتمة ابداً، لكن لن يمر الامر من دون قول الحقيقة ومن دون مساءلة ومكاشفة للدلالة على الكثير من الأخطاء والخطايا التي ارتكبت بحق الوطن والمواطن، علّكم تسمعون وتعتبرون، فبالرغم من كل ما حدث وبالرغم من إنفجار العصر الذي دمر جزءاً من عاصمتنا وقتل وشرّد الآلاف من المواطنين الابرياء وترك جروحاً عميقة ً لن تندمل الا بكشف الحقيقة ومحاكمة المسببين والضالعين في هذه الكارثة، بالرغم من كل هذا لن ندع اليأس يقتلنا، ولن ندع الغيوم السوداء تحجب الرؤية امامنا او تحبطنا، بل سنتطلع الى الامام بأمل وإرادة وتصميم وصلابة ، للدفع بإتجاه المسار الآمن لعبور طريق الإنقاذ الفعلي، وها هي الفرصة اليوم متاحة مع ولادة الحكومة الجديدة التي عبرّت من خلال بيانها الوزاري عن نيةٍ للعمل من اجل وقف الغرق وإنقاذ لبنان وإعادته الى بر الأمان، لكن الواقعية والموضوعية تدفعنا الى مناقشة البيان الوزاري بمسؤولية وصراحة وعدم المسايرة حرصاً منا على نجاح الحكومة في مهامها المرتقبة بما تشكل من فرصة أخيرة اذا لم نلتقطها ستضيع ويضيع معها الوطن ، إنطلاقاً من ذلك نورد الملاحظات التالية مطالبين بالأخذ بها والإجابة عليها: 


اولاً: ان عمر الحكومة القصير نسبياً يجب ان لا يشكل عائقاً امام تحقيق الإنجازات، بل يجب ان يشكل حافزاً ودافعاً قوياً لتحقيق برنامج الحكومة، وهنا نشدد على ضرورة تبنّي وتطبيق كافة مندرجات الورقة الفرنسية بدقة ومن دون إجتزاء او إجتهادات خصوصاً في ملف الكهرباء الذي يشكل المدخل والمؤشر الجدّي للإصلاح الحقيقي، وندعو الجميع الى تجديد الإلتزام بهذه الورقة طالما توافقت عليها والتزمت بها معظم القوى السياسية في إجتماع قصر الصنوبر، وان اهميتها تكمن في بنودها المحددة بأطر زمنية تجعل فترة الثمانية اشهر من عمر الحكومة كافية لتحقيق الإصلاحات المطلوبة.

ثانياً: كلنا نعلم بأن مدخل الإستقرار النقدي والإقتصادي والإجتماعي يتطلب التفاوض مع صندوق النقد الدولي وفق جدول زمني لا يحتمل هدر الوقت وفي هذا السياق ندعو الجميع الى التعاون وازالة كل المعوقات من امام الحكومة وعدم تكبيلها بشروط مسبقة، ويبقى الوصول الى تفاهم مع صندوق النقد للإفراج عن المساعدات هو الاساس وإن ما يتحمله الشعب اللبناني اليوم من أعباء يتجاوز ما يمكن أن يطالب به صندوق النقد الدولي من شروط قاسية.

ثالثاً: كم من الوقت هدر برفض تطبيق خطة ترشيد الدعم التي لو طبقت في حينه كم كنا وفرّنا إستنزافاً واذلالاً بحق الشعب اللبناني ، فمطلوب اليوم البدء فوراً بإصدار البطاقة التمويلية بإشرف البنك الدولي على ان تدفع بالدولار الاميركي لمنع التضخم وللحفاظ على القدرة الشرائية مع رفضنا لتمويلها من خلال إستخدام قرض البنك الدولي المخصص لمشروع النقل العام ، فبأي منطق تحرم خطة النقل العام من المال بالتزامن مع رفع الدعم عن المحروقات واين الحكمة في ذلك؟

رابعاً: نؤكد على ما جاء في بيان الحكومة لجهة تصحيح الرواتب والأجور من دون ان يؤدي ذلك الى التضخم فيخسر العمال والموظفون تلك المكتسبات مجدداً في عملية غير محسوبة، وهنا لابد من مقاربةٍ واضحة للإصلاح الضريبي ترتكز على مبدأ الضريبة التصاعدية والضريبة على الثروة إنطلاقاً من الإقتراح الذي تقدم به اللقاء الديمقراطي.

وبموازاة ذلك نطالب بإعادة النظر بالتقديمات الإجتماعية لتحقيق العدالة والحد المعقول من العيش اللائق والكريم للناس وإيلاء القطاع الصحي والتربوي أقصى دعم ممكن خصوصاً بعدما توفّر المال من حقوق السحب الخاص المحوّلّ من صندوق النقد الدولي ويبقى الشأن الذي لا يقل اهمية عن ما ذكرت هو وضع خطة فورية وإتخاذ التدابير العمليّة لإعادة اموال المودعين لأصحابها وهذا ليس بمستحيل بل هو ممكن ويشكل احد اهم الاولويات المطلوبة من الحكومة 

خامساً: ان ما ذكر في البيان حول العمل على وقف التهريب لا يتعدى النص والإنشاء ، اقول هذا الكلام بكل قناعة وصراحة ونحن الذين قمنا بأقصى ما يمكن بمتابعة هذا الامر من خلال الإخبار الذي تقدمنا به الى القضاء ومتابعتنا المستمرة لهذا الملف ، فلنكن واضحين ان منع التهريب يتطلب اولاً رفع الدعم، ويتطلب ثانياً إجراءات عملية وحاسمة من قبل القضاء والمجلس الاعلى للدفاع، لكن الاهم انه يحتاج الى قرار سياسي من كل القوى المؤثرة والفاعلة لرفع الغطاء عن المهربين ومعاقبة المتورطين، وعدا ذلك هو إضاعة للوقت من دون تحقيق نتائج.

سادساً: إن دعم القطاعات الزراعية يتطلب تصريف الإنتاج وفتح الأسواق الخارجية،  وكيف لنا القيام بذلك ونحن نعاني من أزمة علاقاتٍ مع أشقائنا العرب لأسباب واضحة ومعروفة، وان ما ورد في البيان الوزاري حول تعزيز علاقات لبنان مع الدول العربية الشقيقة يعتبر غير كافٍ، إنما المطلوب ترميم تلك العلاقات وتنقيتها وإحترامها والحفاظ على مصلحة لبنان العليا ومصالح أشقائه والتأكيد على هوية لبنان وإنتمائه العربي قولاً وفعلاً.

سابعاً: أما آن الأوان لحسم موضوع ترسيم الحدود البحرية وتوحيد الموقف اللبناني والخروج من الحسابات الإنتخابية  الصغيرة منها والكبيرة، وعدم زج المؤسسة العسكرية فيها حفاظاً على هيبة لبنان ووحدة موقفه الرسمي وللحفاظ على ثروته النفطية التي تزداد اطماع العدو فيها يوماً بعد يوم  مستفيداً من أخطاء السلطة المتراكمة وتلكؤها وضعف تماسكها  وباطنية مواقفها، فكم نحتاج اليوم الى هذه الثروة الوطنية؟ وبالقدر ذاته كم نحتاج الى الحكمة والحنكة والتضامن في مقاربة هذه القضية الوطنية الجوهرية والحساسة.  

دولة الرئيس،
قد لايتسع الوقت لإبداء كل ملاحظاتنا، وان مقارباتنا النابعة من الحرص على نجاح الحكومة والتي تحتاج الى منحها فرصة العمل من خلال إعطائها الثقة مع حقنا في المراقبة والمحاسبة إنطلاقاً من مبدأ فصل السلطات ودورنا الرقابي، لكن يبقى الاهم في كيفية إستعادة  ثقة الناس بدولتهم، وهذه مسؤولية الحكومة أولاً، واذا كان شعار الحكومة معاً للإنقاذ ، فلنعمل جميعاً كي نكون معاً لإستعادة الثقة والامل، معاً لتحقيق الإصلاح بصوابية الرؤيا وحسن العمل، معاً لإستعادة هيبة الدولة المفقودة ، معاً لإستعادة السيادة المنقوصة، وهنا تحضرني مفارقة لها دلالات بالغة الأثر علّها توقظ الضمائر النائمة ويصحوا اصحابها ويستخلصوا العبر. 

في العام الماضي وقف شعب الإمارات العربية المتحدة مصفقاً لنجاح مسبار الأمل في الوصول الى المريخ بالتزامن مع اليوبيل الذهبي لإعلان إتحاد الإمارات، أمّا في بلادنا وبعد مرور مئوية دولة لبنان الكبير يقف البعض مهللاً مصفقاً لصهريج محروقات، فيا لها من مفارقة ويا لها من خيبة ويا لها من مذلّة، فهل من يعتبر؟

دولة الرئيس،
في الوقت الذي نناقش فيه بيان الحكومة ونخاطب الناس علناً هناك كلام يحكى في الخفاء والعلن ونسمعه أحياناً من خلال تسويق إعلامي مريب يتناول أزمة النظام السياسي في لبنان، وهذا الكلام يهدف للبحث عن نظام سياسي جديد وأفكار لا تشبه ما توافق عليه اللبنانيون منذ ولادة دولة لبنان الكبير وحتى إتفاق الطائ ، إنطلاقاً من ذلك ننبّه من العودة الى الرهانات السابقة او طرح تصورات مستقبلية تتناقض مع روحية الطائف واية محاولة للإنقلاب على هذا الإتفاق من اي كان هي مغامرة خطيرة ستعيدنا عقوداً الى الوراء،  فلا محاولة الإستئثار بالسلطة تبني بلداً ولا أفكار الإنعزال تحفظ وطنناً، فلا حل الا بتطبيق كافة مندرجات إتفاق الطائف تمهيداً لتطويره نحو الأفضل وصولاً الى الدولة المدنية وإقرار قانون اللامركزية الادارية وليس أبعد من ذلك، وإن تطوير الدستور الحالي يتطلب وعياً وقناعةً ورؤيا مستقبلية مستندة الى فكرة  التطوير والحداثة، إن الخطوات العملية تبدأ بتشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية، على ان تشكل تمهيداً  لإقرار اربعة قوانين إصلاحية أساسية.

1-  قانون إنتخابات خارج القيد الطائفي مع تحقيق العدالة والمساواة لجهة مشاركة المرأة في الحياة السياسية دون تمييز.
2
 -  قانون إنشاء مجلس الشيوخ بالتزامن مع إقرار قانون مدني للأحوال الشخصية وقانون عصري للأحزاب، وعدا ذلك سنبقى عالقين بين حدّين، الحد الاول نظام طائفي عليل لا ينتج سوى الأزمات والفساد ويستعصي معه الإصلاح اما الحد الثاني بروز طروحات تتناقض مع مبدأ العيش الواحد بدأنا نسمعها اليوم  وهذه الطروحات لن تنتج الا التناحر والصدامات ضمن الطوائف وفيما بينها. 

دولة الرئيس،
إن أقصر طريق للخلاص هو قول الحقيقة والعمل من أجل الحقيقة وإن الحرص على الوطن يتطلب نقاشاً موضوعياً صريحاً وهادئاً، علّنا ننقذ وطننا من المغامرات الخاسرة وعلّنا نحمي الوطن ونبني المواطن فيه على المبادئ الوطنية الحقيقية لا على الاسس المذهبية والطائفية والفئوية.

دولة الرئيس الزملاء النواب،
فالنمضي معاً على طريق الإنقاذ ولنعمل معاً من اجل وحدة لبنان وسيادة لبنان ونهوض لبنان ومن اجل الحفاظ على كرامة الإنسان.
والسلام.