يقارب الحزب التقدمي الاشتراكي زيارة الوفد الدرزي إلى سوريا من باب التباينات والاختلافات غير الجديدة على جدول العلاقة مع الحزب الديموقراطي اللبناني، انطلاقاً من قاعدة قائمة على أن مقاربة التقدمي واضحة لناحية معارضة النظام السوري في مقابل موقف مؤيّد وغير مفاجئ للقوى السياسية الدرزية التي زارت دمشق في الساعات الماضية. ولم يكن اللقاء الذي جمع كلّ من رئيس التقدمي وليد جنبلاط برئيس الديموقراطي طلال أرسلان ورئيس حزب التوحيد العربي وئام وهاب قد تمحور حول سُلَّمٍ من النقاط الإقليمية الخلافية، بل إنّه سلك أدراج معالجة الملفات المحلية الخلافية المتعلّقة بطائفة الموحّدين الدروز وكيفيّة تنظيم الشؤون الداخلية، بما في ذلك تحصين الأوضاع في الجبل ومنع الحزازات السياسية في المناطق وتأمين التعاضد الاجتماعي والصحي. ويستمرّ العمل على متابعة هذه البنود ومواكبتها بين الأطراف المعنية في المرحلة الحالية، وفق ما تؤكّد مصادر مسؤولة في الحزب التقدمي لـ"النهار"، من دون أن يكون لهذه البنود علاقة بالمواضيع الاقليمية المرتبطة بالموقف من النظام في سوريا. ولا تعني هذه التفاصيل أنّ العلاقة بين الأحزاب المحسوبة على الدروز ترتبط بإيجابية مطلقة، بقدر ما أنّ المسألة قائمة على تنظيم الشؤون الداخلية ومحاولة البناء على النقاط التي حصل التوافق على متابعتها في اللقاء الدرزي بخلده.
في غضون ذلك، يقترب موعد استحقاق مشيخة عقل طائفة الموحّدين الدروز مع انتهاء ولاية الشيخ نعيم حسن والاتجاه إلى إقفال باب الترشيحات بعد أيام. ولا تزال الصورة ضبابية حتى اللحظة لجهة إمكان التوصّل إلى اختيار اسم توافقي لتولي منصب شيخ العقل المقبل بما يعني عدم إجراء الانتخابات من جهة، أو الاحتكام إلى الخيار الديموقراطيّ من خلال حصول الاستحقاق في موعده من جهة ثانية. ويرى متابعون لموضوع مشيخة العقل أنّ الحزب التقدمي يبدي كامل الجدّية للتوصّل إلى توافق في موضوع اختيار شيخ العقل، لكن بما يراعي معايير الكفاية والعلم واختيار شخص مناسب للمكان المناسب. وإذا لم تصل المشاورات إلى خواتيم متوخّاة خلال الأيام المقبلة، عندها لا بدّ من الاحتكام إلى معايير الانتخاب. ولا يبدو حتى الآن أن الاتجاه هو نحو التوافق. ويبرز من بين المرشحين الذين سلّط الضوء عليهم الشيخ سامي أبي المنى الذي يعتبر أكاديمياً ومدير عام مدارس العرفان وصاحب خبرة طويلة في شؤون الأدب والثقافة والتربية. وهو يحظى بتأييد ملفت في البيئة الدرزية. وتردّد في كواليس مقرّبة أنه سيفسح في المجال أمام التوصّل إلى توافق في اختيار شيخ العقل، قبل الاحتكام إلى خيار الاستحقاق الانتخابي.
إلى أي مدى لا يزال إمكان التوصّل إلى توافق متاحاً في موضوع مشيخة العقل؟ وأي أسباب تحول من دون بلوغ مسار التوافق حتى الآن؟ يتردّد في مجالس سياسية بأن ثمّة بعض الأسماء المتداول بها والمرتبطة بشكل أو بآخر بخطّ "الممانعة"، لا تتناسب مع المعايير والمؤهلات العلمية المطلوبة لتولي منصب شيخ العقل. وتعيق هذه الأسباب فرص التوصّل إلى صيغة توافقية حتى الآن. وثمة من يصوّب على أهمية موقع شيخ العقل الذي من مهمّاته تمثيل طائفة والتشاور مع ممثلين عن لبنان واللقاء بموفدين محليين ودوليين. وإذا ما سارت الأوضاع على النحو الحالي، فإنّ الاتجاه سيكون لإجراء الانتخابات بما يعني أن المرشح المنتخب قد ينحصر من جهة الغالبية التي يمثّلها المجلس المذهبي الدرزي المؤيدة بشكل أو بآخر لتوجهات الحزب التقدمي الاشتراكي. وفي حال الاحتكام إلى استحقاق الانتخابات، عندها يُتوقّع أن تبقى الصيغة القائمة على حالها لجهة الإبقاء على شيخي عقل كما تمثّل واقع الحال في السنوات الماضية.
وترسم هذه الصورة مؤشّرات واضحة في تقويم المستوى الذي وصل إليه منحى العلاقة بين الحزب التقدمي والقوى الدرزية الموالية لمحور "الممانعة"، لجهة الحفاظ على نوع من الاستقرار الأقرب إلى التهدئة في ظلّ عدم تحقيق تقدّم أو تراجع في المسار الذي سلكته المكوّنات المشار إليها بعد لقاء خلده. ويرى مواكبون أن رئيس التقدمي وليد جنبلاط قد عمل انطلاقاً من رؤية ثابتة في سبيل تحصين الأوضاع في الجبل، من خلال الترفّع عن المطالبة بحقائب أو وزراء في ظلّ الحكومة العتيدة والاتجاه إلى تسهيل الولادة الحكومية. ويأتي ذلك في وقت كان الاشتراكيون يحظون بتمثيل وزاريّ قائم على وزيرين درزيين في غالبية الحكومات المتعاقبة التي تألفت من 24 وزيراً، فيما كان ينحصر تمثيل القوى الدرزية الموالية للممانعة عادةً بالحكومات المؤلّفة من 30 وزيراً. ويندرج تسهيل جنبلاط لموضوع التمثيل الدرزي في الحكومة انطلاقاً من مقاربة قائمة على ضرورة الترفّع عن المطالب والوصول إلى حكومة انقاذية وفق المعايير الاصلاحية المطلوبة، بما يساهم انطلاقاً من مقاربته في فرملة الانهيار وبدء مشوار الانقاذ.