Advertise here

لبنان ليس تحت الحصار!

04 أيلول 2021 08:47:38

لبنان ليس تحت الحصار، وكل محاولات تصويره عكس ذلك لا تعدو كونها محاولات رخيصة لتسجيل بطولات وهميّة على حساب الشعب اللبناني البائس الذي وصل مستوى الغضب والقنوط واليأس عنده إلى معدلات غير مسبوقة. لذلك، تبدو المقترحات المتوالية الآتية من خارج الحدود لتقديم الدعم والمساعدة تصب في سياق واضح هدفه الأساسي تحويل الاهتمام عن مسبّبات الأزمة الحقيقيّة، أي عمليّاً لذرّ الرماد في العيون.

الأزمة في لبنان ليس سببها حصار يتوهمه البعض ويحاول استغلاله لمصلحته الفئويّة الخاصة. الأزمة عنوانها الرئيسي التخاذل في تأليف حكومة تطلق الإصلاحات الضروريّة، وتعمل على وقف التهريب عبر المعابر الشرعيّة وغير الشرعيّة، وتعيد تدريجيّاً الحدود الدنيا من الانضباط العام بما يتيح الخروج من النفق والذهاب نحو إعادة توفير المقوّمات الضروريّة، لا بل البديهيّة، للعيش الكريم واللائق.

ما أوصل البلاد إلى هذا القدر من الانحطاط والانهيار هو بالضبط تلك السياسات الهوجاء والعرجاء التي قادتها تيّارات سياسيّة بدعم من أحزابٍ وقوى تملك فائضاً من القوّة يتيح لها غض الطرف عن سياسة المراوغة وتجاوز الدستور وإبقاء البلاد معلقة وتعاني من أكثر الأزمات الاجتماعيّة والاقتصاديّة والمعيشيّة ضراوةً في تاريخها المعاصر.

معالجة عمق الأزمة لا تكون بإبحار سفن وفكّ حصار ليس موجوداً، أو بتقديم عروضٍ لبناء معامل توليد الطاقة وهو معروفٌ سلفاً أن القبول بالعرض دونه عقبات وعثرات واستحالات. معالجة الأزمة تكون بتكريس مناخٍ من الاستقرار السياسي يمكن من خلاله الشروع في خطوات الانقاذ التي لن تكون مستحيلة في حال توافرت الإرادة السياسيّة، وهو ما لا يبدو أنّه تشكّل حتى الآن.

لبنان فقد ويفقد يوميّاً المئات من خيرة أبنائه، ويخسر أحد أبرز ميزاته التفاضليّة ألا وهي الموارد البشريّة المتميزة التي غزت كل أصقاع الأرض منذ العقود الأولى للقرن العشرين وحققت نجاحاتٍ باهرة بقدراتها الابداعيّة ونشاطها الدؤوب وعرق جبينها بمجرّد أن توفّر لها مناخاتٍ من العمل والانتاج من دون فساد وإفساد.

ألا يشاهد هؤلاء الذين يقبعون في قصورهم الرئاسيّة المبّردة الآلاف الذين يغادرون يوميّاً لبنان عبر المطار؟ ألا يرون الطوابير أمام محطات الوقود والإذلال المتمادي للبنانيين الذين يراكمون غضباً مشروعاً جرّاء هذا التدهور لا أحد يعرف كيف ومتى سينفجر أو كيف يمكن وقف هذا الانفجار؟ ألا يشعرون بفقدان مادة المازوت مما يهدد بصورة متواصلة المستشفيات والأفران والجامعات والمدارس التي من غير المعروف كيف ستكون السنة الدراسيّة فيها؟ هل يجوز أن يخسر طلاب لبنان العلم بسبب المازوت؟ هل من المقبول أن نشهد ولادة جيل من غير المتعلمين فقط بسبب سياسات التهريب ومافياته العابرة للحدود والتي يمكن وضع حد لها من خلال قرار سياسي حاسم لا رجوع عنه بدلا من الحديث عن إبحار سفن وبواخر من جهات هي بذاتها تحتاج إلى من يعينها؟

ثمّة خفة ووقاحة في إدارة شؤون البلاد. ثمّة انهيار أخلاقي لا مثيل له. حتى الحروب لها قواعدها وقنواتها التي تترك مجالاً وفسحة ضيّقة للحد من التدهور. الواقع الآن ليس كذلك. أن يدفع شعب بأكمله أثمان الأمراض السياسيّة لهذه الشخصيّة أو تلك، فإنها الكارثة بعينها!