Advertise here

ما تأثير المغامرة الاميركية الفاشلة في افغانستان على منطقة الشرق الاوسط؟

03 أيلول 2021 14:41:20

من يحسن قراءة التاريخ يكتسب خبرة في توقع ما يخبئه المستقبل. والتاريخ يخبرنا ان الولايات المتحدة المنتصرة في الحرب العالمية الثانية ، اصبحت سيدة العالم الحر، تقيم الاحلاف وترسم خرائط جديدة للعديد من دول العالم. وقد حققت نجاحات كبرى في اوروبا ، وفي حربها الباردة مع المعسكر الشيوعي. ولكنها اخفقت في مناطق اخرى من العالم.

تدخلت ومعها حلفاؤها في الازمة الكورية، وفشلت في توحيد شبه الجزيرة الكورية تحت رعايتها، ورضخت للواقع وقبلت بحل تقسيم شبه الجزيرة الى كوريتين: جنوبية موالية للولايات المتحدة وشمالية تابعة للمعسكر الشيوعي، ولا يزال الوضع على حاله الى اليوم.

وفي ستينات القرن الماضي، انغمست في حرب ضروس بالغة الكلفة عليها بشرياً ومادياً ومعنوياً، في فييتنام واضطرت سنة 1975، ان تنسحب خائبة مخلّفة مآس للفييتناميين، ليسجل "هوشى منه" منه نصراً مبيناً للمعسكر الشيوعي.

وكذلك الامر في افغانستان ، شجعت بداية الاصولية الاسلامية هناك ، ونجحت في اخراج السوفيات من هذا البلد. غير انها مع تصاعد مخاطر تنظيم القاعدة وحليفتها حركة طالبان التي سيطرت على افغانستان في التسعينات ، والتي بلغت ذروتها في 11 ايلول – سبتمبر 2001 في جريمة نيويورك الارهابية الدامية، اندفعت الادارة الاميركية الى حرب ضروس ضد القاعدة وطالبان، واقامت نظاماً تابعاً لها هناك. ولكن النزاع استمر والخسائر تواصلت، وشاركها في هذه الحرب حلفاؤها من حلف الاطلسي. وها هي اليوم وحلفاؤها يهربون من هذا البلد الذي انهكته الحرب العبثية، تاركين شعبه لقمة سائغة لحركة طالبان التي استعادت سيطرتها على افغانسان في ايام معدودة.

ما آلت اليه الامور في افغانستان يطرح العديد من الاسئلة في مختلف بلدان الشرق الاوسط، حول مستقبل هذه المنطقة. فعلى ضوء تجارب العديد من دولها مع الادارات الاميركية ، الوقائع لا تبشر بالخير: لا زلنا نتذكر جيداً كيف تخلى الاميركيون عن شاه ايران اكبر حليف لهم ، وقبلوا بتسلم الاسلاميين الشيعة السلطة، واقامة الدولة الاسلامية في ايران. كما نتذكر جيدا ايضاً كيف اجتاحوا العراق واتاحوا للميليشيات الشيعية العراقية الموالية لإيران، ان تسيطر على مقدرات العراق.

كما نتذكر تردد الادارة الاميركية في مواقفها مما شهدته وتشهده سوريا منذ عشر سنوات ، واتاحوا لبشار الاسد حليف ايران ان يستمر في حكم هذا البلد بعد تشريد نصف شعبه ، رغم معرفتهم بأن هذا الحكم يشكل حلقة الوصل الضرورية لإقامة محور طهران – بيروت، مروراً في بغداد ودمشق.

تثبت الوقائع في تطورات قضايا الشرق الاوسط ان ما يهم فعلاً الاميركيين هو امن اسرائيل رغم عنصريتها وعدوانيتها، والضغط على الحكومات العربية للتطبيع معها. وفي حال نجحت المفاوضات الدائرة في السر والعلن مع النظام الايراني، بإقناع الايرانيين بتحييدهم اسرائيل من مشاريعهم الاقليمية، فمن الارجح انسحاب الاميركيين من منطقة الشرق الاوسط، بعد ان فقد بترولها اهميته بالنسبة لهم، واتاحة الفرصة للايرانيين لإقامة شرق اوسط "ايراني"، وترك شعوب هذه البلدان لمواجهة مصيرها وحدها، كما هي حال الشعب الافغاني اليوم.