ترتبط مشكلة المحروقات في لبنان بشكل أساسي ومحوري بأزمتي التهريب والاحتكار. رفع الدعم جزئياً لم يكن الحل، إذ استمر التهريب عبر الحدود، وذلك نسبةً لارتفاع أسعار المحروقات في سوريا وفقدان مادتي البنزين والمازوت، كما واستمر الاحتكار في الخزانات لمعرفة التجار عدم قدرة مصرف لبنان على دعم المحروقات لأكثر من بعضة أشهر، وطمعهم بتحقيق أرباح كبيرة بعد رفع هذا الدعم وبيع المحروقات وفق الأسعار الجديدة.
أيقن مصرف لبنان الأزمتين المذكورتين، وحذّر الحكومة منذ أشهر وأبلغها بنيته رفع الدعم عن المحروقات كما ومختلف المواد الغذائية من أجل حل المشكلتين واخراج قطاع المحروقات من بازار التهريب والاحتكار، إلّا أن الحكومة لم تستدرك الأمر عبر اصدار البطاقة التمويلية، وبالتالي وقع المحظور. وصحيح ان رئيس الجمهورية اجتمع برئيس الحكومة ووزيري المالية والطاقة وحاكم مصرف لبنان، وخلص الاجتماع الى دعم استيراد المحروقات من قبل وزارة المالية بـ10,000 ليرة للدولار الواحد، الذي تبلغ قيمته 18,000 ليرة وفق منصة صيرفة، ليتحمل المواطن عبء الـ8,000 المتبقية. ولكن هل تنحسر أزمتا الاحتكار والتهريب؟ سؤال يطرحه اللبنانيون مع ارتفاع أسعار المحروقات في لبنان إثر رفع الدعم جزئياً، وهو سؤال نجيب عليه بالأرقام للتحقق منه.
التهريب إلى سوريا
بلغ سعر صفيحة البنزين 95 اوكتان في لبنان 126,600 ليرة لبنانية وفق التسعيرة الجديدة. ومع العلم أن الصفيحة تحتوي على 20 ليتراً، فان سعر ليتر البنزين الواحد يبلغ 6,330 ليرة، أو ما يعادل 0.31$، إذا ما احتسبنا سعر صرف الدولار في السوق السوداء 20,000 ليرة. أما وبالنسبة لسوريا، فان سعر صفيحة البنزين يبلغ 60,000 ليرة سوري، إذ أصدر النظام السوري تسعيرة جديدة منذ شهرين، وقد بلغ سعر الليتر 3,000 ليرة سوري، ومع اعتبار أن دولار الأسواق السوداء في سوريا يبلغ 3390 ليرة سوري، فان سعر الليتر في سوريا 0.88$. في عملية حسابية بسيطة، يظهر أن المهرب يربح 0.57$ في كل ليتر بنزين، دون احتساب تكاليف عملية التهريب، مع الأخذ بعين الاعتبار الالتزام بالأسعار التي وضعتها حكومة النظام.
أما وبالنسبة للمازوت، فان سعر صفيحة المازوت في لبنان بات 98,100 ليرة، ما يعني أن سعر الليتر يبلغ 4,905 ليرة، أي 0.24$ حسب سعر صرف 20 الف ليرة. أما وفي سوريا، فان سعر الليتر 500 ليرة سورية، أي 0.14 دولار. هنا يظهر أن العملية خاسرة بالنسبة للمهرب، الذي يتكبّد 0.10 دولار كخسارة.
إلّا أن ذلك لا يعني أن التهريب سيتوقف بالنسبة للمازوت، اذ إن الأسواق السوداء في سوريا نشطة كحال الأسواق في لبنان، وبالتالي، فان سعر ليتر المازوت في هذه الأسواق يزيد عن 2,000 ليرة سوري، أي 0.58$، وبالتالي تزيد أرباح المهرّب عن 0.34$ لكل ليتر. والأمر نفسه بالنسبة للبنزين الذي يُباع بأكثر من 4000 ليرة لليتر الواحد.
الاحتكار
أما وبالنسبة لمشكلة الاحتكار، فان الأزمة أيضاً ستستمر لطالما أن عدداً من المحتكرين محمي من قبل بعض أصحاب النفوذ. يهدف هؤلاء إلى شراء أكبر كمية ممكنة من المحروقات وفق الأسعار الحالية المدعومة، لأنهم على يقين أن الدعم لن يستمر لما بعد أيلول، وأسعار المحروقات سترتفع بشكل كبير بعد ذلك التاريخ، وبالتالي يبيعون الكميات المخزنة وفق أسعار جديدة ويحققون أرباحاً خيالية.
مروراً بالأرقام، فان "الدولية للمعلومات" قدّرت بلوغ سعر صفيحة البنزين 336,000 ليرة بعد رفع الدعم كلياً، وبلوغ صفيحة المازوت 278,620 ليرة. وبالتالي، فان عملية شراء هذه المحروقات وفق الأسعار الحالية وبيعها بعد رفع الدعم ستنعكس ربحاً صافياً للمخزنين والمحتكرين يفوق سعر الصفيحة الحالية.
فبالنسبة للبنزين 95 اوكتان، فان شراءه وفق سعر 126,600 الف ليرة وبيعه بسعر 336,000 ليرة يعني ربح المهرب والمحتكر 209,400 ليرة، أما بالنسبة للمازوت، فان طرح 98,100 ليرة من 278,620 ليرة يعني 180,520 ليرة ربح.