Advertise here

ماذا يحاك للمنطقة من جنوب لبنان الى افغانستان؟

29 آب 2021 18:10:09 - آخر تحديث: 29 آب 2021 22:05:26

طرح الانسحاب الأميركي المفاجىء من أفغانستان، وقبله من العراق وسوريا، تساؤلات كثيرة لما يحاك لهذه المنطقة من مؤامرات ومشاريع تقسيمية وتدميرية، ما يبعث على القلق من سعي الدول العظمى، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية، إلى تمزيق هذه المنطقة وتحويلها إلى كيانات طائفية، ومذهبية، وإثنية، وعقائدية، متنازعة ومتحاربة فيما بينها ليسهّل لها السيطرة عليها، ونهب خيراتها ساعة تشاء.

أما اللّافت في الانسحاب الأميركي من أفغانستان، هذا البلد الذي كان مستقراً نسبياً، أنّه يأتي بعد أشهرٍ قليلة على تسلّم الرئيس الأميركي، جو بايدن، مسؤولياته في رئاسة الولايات المتحدة الأميركية، واستئناف المفاوضات الأميركية- الايرانية حول ملف إيران النووي. فهل جاء قرار الانسحاب من أفغانستان معداً سلفاً؟ أم أن هناك توزيع أدوار في الإدارات الأميركية المتعاقبة لتطبيق السيناريوهات المعدّة للمنطقة من لبنان إلى أفغانستان، هذا البلد الذي استنزف في ثمانينيات القرن الماضي كل قدرات الاتحاد السوفياتي السابق قبل أن تقرّر موسكو الانسحاب، واندلاع الحرب الأهلية والعرقية فيه بين البشمركا والاسماعيليين وطالبان، وغيرهم من التنظيمات الإثنية والعرقية في هذه البلاد التي يصعب لأية قوة، مهما كانت متفوقة عسكرياً ولوجستياً، من السيطرة الكاملة عليها نظراً لوعورة أرضها ومسالكها البدائية الضيّقة، بالإضافة إلى قساوة مناخها وصعوبة الحياة فيها، باستثناء العاصمة كابول، وبعض المدن المتحضرة.


فقبل أحداث الحادي عشر من أيلول 2011، والعملية الانتحارية التي أدّت إلى سقوط الأبراج الأميركية، كان التدخل الأميركي في أفغانستان يجري من خلال تزويد المقاتلين الأفغان بالمعلومات الخاصة عن وجود الجيش السوفياتي، وتزويدهم بالأسلحة عن طريق باكستان وإيران وغيرهما من الدول المحاذية لها. وبعد ذلك التاريخ، وسقوط الأبراج، وتبني تنظيم القاعدة بزعامة أسامة بن لادن لهذا الهجوم الانتحاري المدمر، تحوّلت أفغانستان ومناطقها المحاذية من باكستان إلى أهدافٍ عسكرية للقوات الأميركية التي تمكنت في نهاية الأمر من إحكام قبضتها على أفغانستان وتحويلها من دولة تحكمها ميليشيات عسكرية مسلحة إلى دولة مدنية قابلة للحياة، وبالأخص بعد القضاء على زعيم القاعدة، أسامة بن لادن، لتتحوّل الأنظار بعد ذلك إلى العراق  الذي خاض، وبطلبٍ من الإدارة الأميركية حرباً ضروساً ضد إيران بعد خروج الشاه محمد رضا بهلوي، وتحويلها إلى جمهورية إسلامية بزعامة آية اللّه الخميني، وتمكّنه في بداية الأمر من احتلال أجزاء منها متاخمة لحدود بلاده، ثم غض النظر الأميركي عن الرئيس صدام حسين لغزو الكويت، وتحويله بعد ذلك إلى مجرم حرب، وإجباره على الانسحاب منها بالقوة، واتّهامه بامتلاك أسلحة الدمار الشامل، وتأليب العالم عليه، وإسقاط نظامه بالقوة ومحاكمته وإعدامه، وترك بلاد الرافدين إلى مصيرها الأسود بعد تسهيل انتقال تنظيم القاعدة إليها، والذي مهّد لولادة ما يسمّى بتنظيم الخلافة الإسلامية "داعش"، وتحويل العراق إلى مستنقع من الدماء،  واستهداف الأقليات بنوعٍ خاص، وتقسيمه ما بين سنّة، وشيعة، وأكراد، بعد تفكيك جيشه الذي كان من أقوى الجيوش العربية على الإطلاق عدةً وعدداً.


الانهيار السريع للعراق، وإزاحة الرئيس صدام حسين، أراح إسرائيل بشكلٍ مباشر، وأراح خصومه السياسيّين من العرب، وبالتحديد الكويت، والنظام في سوريا، منافسه التقليدي، فأطلقت يد سوريا في لبنان ونفّذت إسرائيل انسحاباً تكتيكياً من لبنان في الخامس والعشرين من أيار من العام 2000. هذا الانسحاب الذي يشبه إلى حدٍ ما  انسحاب الجيوش الأميركية من العراق وأفغانستان، ما كان له أن يتحقق لولا الضربات الموجعة التي نفذتها المقاومة الوطنية والإسلامية ضد الاحتلال الاسرائيلي في أماكن تواجده على طول الشريط الحدودي، وصولاً إلى البقاع الغربي وتلال كفرشوبا ومزارع شبعا. ولكن يبقى السؤال كيف تخلّت إسرائيل عن دويلة الشريط الحدودي، وما كان يُعرف بميليشيا العميل انطوان لحد،  والتي استمرت بالمحافظة عليها زهاء ربع قرن؟


تسارُع التطورات العسكرية والأمنية التي شهدها لبنان والمنطقة، وغياب ثلاثة من كبار الزعماء السنّة في العالم العربي، الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، أبو عمار، والرئيس رفيق الحريري، والرئيس صدام حسين، جعل إسرائيل تتنفس الصعداء. وبنتيجة اعتداءاتها المتكررة على الضفة الغربية وقطاع غزة أفرغت اتفاقية السلام مع الفلسطينيين، وما يعرف باتفاق الدولتين، من مضمونهما رغم المقاومة الشرسة التي يظهرها الشعب الفلسطيني في كل مرة.


مع انطلاقة ثورات الربيع العربي كانت عيون المستعمر الجديد تتركز على تغيير معظم الأنظمة العربية، فنجحت في أمكنة معيّنة، كمصر وليبيا وتونس، وتمكنت من إزاحة الرؤساء زين العابدين بن علي، والرئيس حسني مبارك، والعقيد معمّر القذافي، لكنه فشل بإزاحة الرئيس السوري، بشار الأسد، بسبب التدخل الروسي والإيراني، الذي أنقذ النظام السوري من السقوط رغم الحرب المدمرة التي شنّها الأسد ضد خصومه، وأدّت إلى تهجير أكثر من نصف سكان سوريا إلى خارجها، بالرغم من التحالف العربي والدولي الذي تشكّل لمساعدة المعارضة السورية، وما تزال الولايات المتحدة تسيطر على أماكن تواجد النفط في الشمال السوري، وفي المناطق الكردية.

التدخل الإيراني والروسي في سوريا، وتمكّنهما من حماية رأس النظام السوري، دفع إيران وحزب الله إلى التدخل في اليمن، وأدى ذلك إلى سيطرة الحوثيين على أجزاء كبيرة من اليمن السعيد، وعطّل الحياة الديمقراطية في هذا البلد الذي لا يبدو أنّه قد يتعافى في وقتٍ قريب.

هذه التطورات، وما يجري من لبنان إلى أفغانستان تطرح السؤال الكبير: ماذا تريد الدول العظمى من هذه المنطقة الممتدة من لبنان إلى أفغانستان؟ وهل أنّ مخطط هذه الدول يهدف إلى تجميع القوى السنيّة في مواجهة المد الشيعي في المنطقة؟ وهل المطلوب إضعاف السنّة في العالم بعد تحريض الشيعة عليهم، وإخضاعهم لحكم الملالي، وإنهاء كل ما له علاقة بماضي الإسلام المجيد، من الفتح الإسلامي العربي إلى اليوم؟ وللإجابة على تلك الأسئلة والتساؤلات يجب إعادة قراءة التلمود جيّداً ففيه الجواب اليقين، لأنّه ممنوع على المسلمين من سنّة وشيعة أن يكون لهم دور أساسيٌ في تحديد هوية العالم الجديد.

يقول وزير الخارجية الأميركية، هنري كيسنجر، في ردّه على اتّهام العميد ريمون إدّه له بقبرصة لبنان: "عزيزي الأستاذ إدّه، أنا فعلاً سعيت وخطّطت لقبرصة وتقسيم بلدكم الجميل، ولما علمت بنجاح الوساطة العربية بوقف الحرب الدائرة عندكم أرسلت موفدي الخاص، دين براون، ليقنع كل زعيمٍ عندكم بأنّه يقاتل عن حق، ونجح بإعادة إشعال فتيل الحرب، ولكن قل لي يا حضرة العميد، ماذا فعلتم لإخمادها والعيش بسلام".