Advertise here

هانوي أم هونغ كونغ... مجدداً!

20 آب 2021 10:35:09

تبدو العودة إلى هذا السؤال المحوري الذي طرحه منذ سنواتٍ طويلة رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط ملحة أكثر من أي وقتٍ مضى لا سيّما على ضوء الإختطاف التام للقرار الوطني اللبناني من قبل بعض الأطراف القابضة على السلطة نتيجة الإختلال الكبير في موازين القوى. 

فالسجال الداخلي المندلع منذ سنين حول دور لبنان وعلاقاته الخارجيّة وموقعه في المعادلة الإقليميّة لم يهدأ ولن يهدأ طالما أن الخلاف حول الثوابت الوطنيّة الكبرى لا يزال قائماً وطالما أن ثمّة أطراف سياسيّة تجاهر بتنفيذها لأجنداتٍ خارجيّة، لا بل تفاخر بتأديتها هذا الدور بالتوازي مع تحالفاتٍ هجينة في الداخل توفر لها غطاءً مطلوباً مقابل تحقيق مصالح آنيّة وفئويّة على حساب المصلحة الوطنيّة اللبنانيّة. 

لقد بات حجم الهوّة الداخليّة سحيقاً جداً وهو ينذر بعواقب وخيمة منها مثلا التسلل التدريجي لأفكار ومعتقداتٍ لا تتلاءم مع طبيعة التركيبة اللبنانيّة القائمة على التعدديّة والتنوّع (الفدراليّة مثلاً) لا بل إنها تؤسس لصراعاتٍ طويلة المدى عنوانها الأساسي الإحتراب الطائفي والمذهبي القابل للتغذية الإقليميّة الفوريّة ما يعني عمليّاً الدخول في دوامةٍ طويلةٍ من النزاعات المسلحة التي لا تنتهي، والقضاء على الصيغة اللبنانيّة بشكلها الراهن. 

صحيحٌ أن هذه الصيغة لم تتوفر لها مقوّمات النجاح بسبب طبيعة التركيبة الطائفيّة التي تفرّق بين المواطنين ولا تتيح المساواة فيما بينهم، ولكن الصحيح أيضاً أن القضاء على الإطار اللبناني الجامع هو خسارة كبرى للبنانيين جميعاً دون إستثناء مهما ظن البعض أن الإنفصال من خلال التقسيم أو الفدراليّة يوفر الحلول المطلوبة (وهو حتماً لا يفعل ذلك!).

إن الحل يكون عبر تجاوز النظام الطائفي من خلال تطويره نحو مجالاتٍ مشتركة قائمة على المساواة بين المواطنين، وفي الوقت ذاته، الحفاظ على الطوائف كمكّون إجتماعي وثقافي وروحي تستطيع الشرائح المختلفة المنضوية تحت جناحه أن تمارس حريتها وشعائرها كما ترغب. المشكلة في طائفيّة النظام وليست في الطوائف بذاتها، وهو ما يُعرف إختصاراً بشعار فصل الدين عن الدولة.

صحيحٌ أن إتفاق الطائف ليس مقدّساً، ولكن التدخلات الخارجيّة والإنقسامات المحليّة لم تسمح بتطبيق جميع بنوده، لا سيّما الإصلاحيّة منها مثل إلغاء الطائفيّة السياسيّة واللامركزيّة الإداريّة والإنماء المتوازن. بالتالي، فإن أي تقييم موضوعي للاتفاق يسقط عند الأخذ بالاعتبار هذه الاعتبارات.

قد يكون زمن "الطائف" قد إنتهى في الممارسة عبر الدّك اليومي لمندرجاته من قبل أصحاب الشعارات العبثيّة والمعارك الوهميّة (الصلاحيّات والحقوق فيما الناس تكاد تموت من الجوع)، أو من خلال القوى التي لا تتوانى أن تذهب بالبلاد يميناً أو يساراً وفق مصالحها العابرة للحدود. 

بين هذا وذاك، لم يعد ثمّة إمكانيّة للاختيار بن هانوي وهونغ كونغ. المهم ألا نتجه نحو كابول!