Advertise here

هل الانسحاب من أفغانستان نهاية لحقبة السيطرة الأميركية؟

19 آب 2021 12:31:40

انسحاب الجيش الأميركي وحلف شمالي الأطلسي من أفغانستان، تنفيذاً لاتفاق الدوحة الذي أبرمته إدارة دونالد ترامب مع "طالبان" عام 2018، لم يكن مفاجئاً للعالم، وخاصّة الدول التي تنظر بحذر كبير إلى تداعيات هذا الانسحاب وتوقيته، وهي روسيا والصين وإيران ودول آسيا الوسطى.

 

المفاجأة جاءت بسرعة تقدّم "طالبان" وسيطرتها على المناطق الغربية والشمالية دون مقاومة تُذكر، ودخولها كابول العاصمة الأفغانية يوم الأحد الفائت، ما يذكّر بسرعة انهيار قوّات الجيش العراقي في الموصل عام 2014 وسيطرة تنظيم "داعش" عليها. قرار الإدارة الأميركية إجلاء الديبلوماسيين والرعايا الأميركيين والمتعاونين الأفغان، من خلال الجسر الجوي الذي أُقيم بين السفارة الأميركية ومطار حميد كرزاي، ومشاهد تعلُّق عدد من المواطنين الأفغان بالطائرات العسكرية الأميركية للنجاة من حكم طالبان، يذكّران بمشاهد الانسحاب من سايغون عام 1975، ويعيد طرح سؤال له بُعد جيوسياسيّ: هل يشكّل الانسحاب المذلّ من أفغانستان نهاية لحقبة السيطرة الأميركية؟ وإذا كان من المبكر الإجابة عن هذا السؤال، فثمّة تساؤلات كثيرة: هل من ملاحق سرّية لاتفاق الدوحة أفضت الى الانهيار السريع للجيش الأفغاني، وتسليم المواقع دون مقاومة تُذكر؟ هل أرادت إدارة بايدن جعل هذا الانسحاب الذي تَقرّر في مرحلة ترامب جزءاً من استراتيجية تهدف إلى خلق مشهد جيوسياسي جديد يُربك إيران على حدودها مع أفغانستان، ويخلق تحدّيات للأمن القومي الروسي في دول آسيا الوسطى؟ وهل يشكّل هذا الانسحاب في أحد جوانبه إرباكاً للمشروع الصيني في طريق الحرير؟

 

وهل من تفسير لما قاله نائب مستشار الأمن القومي بـ"أنّنا منخرطون في محادثات ديبلوماسية مع طالبان بينما تُحرق المستندات الحسّاسة في السفارة الأميركية في كابول استعداداً للإغلاق والإجلاء؟

 

هذه الأسئلة كلّها مشروعة وتتطلّب وقتاً كي تتكشّف الرهانات المتعلقة بالانسحاب، علماً أنّ الكلفة المادّية والبشرية للوجود العسكري الأميركي في أفغانستان واستراتيجية المواجهة مع الصين في جنوب وشرق آسيا كانتا أحد الرهانات الذي قاد الى اتخاذ هذا القرار. ولكن سرعة انهيار الجيش الأفغاني الذي بلغت كلفة إعداده وتسليحه ما يقارب 83 مليار دولار، وانهيار مؤسّسات النظام الأخرى، وعودة سيطرة "طالبان" على أفغانستان بكاملها، تشكّل هزيمة كبرى للولايات المتحدة الأميركية التي احتلّت أفغانستان وأزالت حكم "طالبان"، على خلفية الاعتداءات الإرهابية التي نفّذتها القاعدة في 11 أيلول 2001، كما تشكّل إخفاقاً للاستراتيجية العسكرية والرهانات التي قامت عليها، في بناء جيش أفغاني قادر على الحفاظ على استقرار البلاد ومنع عودة "طالبان" إلى السلطة بعد الانسحاب الأميركي. الهزيمة مضاعفة أيضاً نتيجة هذا الإرث الثقيل من السياسات الخارجية بعد نهاية الحرب الباردة، المبنيّ على نظريّتَي صراع الحضارات ونهاية التاريخ، اللتين قادتا عام 2003 الى احتلال العراق وتفكيك جيشه، وغيرهما من السياسات التي راهنت بشكل مبسّط على قدرة الولايات المتحدة الأميركية على نشر الديموقراطية وإنشاء أنظمة سياسية وفرض قيم الليبرالية السياسية والاقتصادية على مجتمعات، تفتقر إلى الحدّ الأدنى من البنى الثقافية والمجتمعية القادرة على استيعاب هذه التحوّلات. ما جرى للأميركيين في أفغانستان في الأسبوع الأخير، حيث غسلوا أيديهم من نفوذ عقدين من الاحتلال، ينضمّ إلى سجل قوات الاحتلال عبر التاريخ، التي لم تتمكن من الصمود في بلاد الجبال، أو القيام بتحوّلات ثقافية تتناقض مع البنى المجتمعية والولاءات الراسخة فيها.

 

من الطبيعي أن يحمّل الرئيس بايدن مسؤولية الانهيار لقادة أفغانستان الذين، بحسب تصريحه نهار الإثنين، ألقوا أسلحتهم وهربوا من البلاد، ولم يواجهوا تقدّم "طالبان"، كما لم يسمعوا النصيحة الأميركية بالانخراط في ديبلوماسية حقيقية. صحيح أن يهرب رئيس دولة وأركان حكمه من المواجهة، فهي مسؤولية تاريخية كبرى، ولكن هل من إرادة أميركية لقراءة الانهيار من زوايا أخرى، مثل استمرار قدرة "طالبان" على التأثير في المجتمع الأفغاني بعد عقدين من الاحتلال؟ أو من زاوية قدرتهم على إسقاط مفاعيل الاحتلال في أقلّ من أسبوع؟ هل من إرادة لتفسير واقعي لتسليم القادة العسكريين الباشتون مواقعهم دون مقاومة تذكر؟ ماذا عن دور باكستان وأجهزة استخباراتها في هذه التطوّرات؟

 

وإذا كان مشروعاً أن نعطي للعفوية من مساحة ونعتقد بما قاله مستشار الأمن القومي، بأنّ الرئيس بايدن يعتزم حشد المجتمع الدولي لحماية حقوق الإنسان في أفغانستان، فهل لنا أن نسأل عن كيفية تحقيق ذلك فيما تتراجع دولياً الثقة بالولايات المتحدة الأميركية وسياساتها، وفيما تُطرح تساؤلات تتعلق بالتجاذبات والغايات السياسية التي أُخضع لها ملفّ حقوق الإنسان في الصين وروسيا؟ وهل لنا أن نسأل عن مدى انعكاس هذه الهزيمة على قدرة بايدن على تسويق الفكرة الرئيسة لسياسته الخارجية، التي تقوم على أنّ هذا القرن يمثّل حقبة أخرى من الهيمنة الديموقراطية أو عصر الصعود الاستبدادي؟ فهل يمثّل سقوط النظام الذي أنشأته الولايات المتحدة الأميركية في أفغانستان وعودة "طالبان" للإمساك بهذا البلد، ضربة للهيمنة الديموقراطية وخطوة في مسيرة الصعود الاستبدادي؟ وهل سيُضاف هذا السقوط إلى الأوراق التي تستخدمها الصين وروسيا في مسرح المنافسة القائم مع الولايات المتحدة الأميركية، إذ أعلنت الخارجية الروسية أنّ "طالبان" لا تمثّل تهديداً لآسيا الوسطى، كما أعربت الصين عن اهتمامها بعلاقات صداقة مع "طالبان"؟

 

من المؤكّد أنّ الموقف الروسي المعلن لا يشكّل حقيقة التهديد الذي تشعر به روسيا بعد انهيار الجيش الأفغاني وعودة قبضة "طالبان" إلى البلاد، كذلك من المؤكّد أنّ هذه التطوّرات فتحت الطريق نحو قيام مشهد جيوسياسي جديد، يضع الصين وروسيا وإيران والهند ودول آسيا الوسطى أمام تحديات غير مسبوقة. ويبقى السؤال كم تحتاج أميركا من الوقت لترميم هيبتها، وإقناع العالم بالتوقف عن ربط مشاهد الانسحاب من سايغون بلحظات الإجلاء المهين، والفوضى التي سيطرت على المشهد في مطار كابول؟