Advertise here

كهرباء التقدمي و"القوات" على موجة واحدة: الماء لا يملأ بالسلة!

04 نيسان 2019 20:28:00 - آخر تحديث: 08 أيلول 2020 12:05:33

تركز قوى سياسية فاعلة حكومياً مجهرها على خطّة الكهرباء المقدمة من وزيرة الطاقة ندى البستاني، رغم مناخ شبه التوافق الذي يسود الأجواء الحكومية في هذا الشأن. ولا يعني السير في الخطّة أن دربها سيكون مزروعاً بالأزهار، بل إن رقابة شديدة ستفرض على مضامينها، وهذا ما يرشح من مقاربة الحزب التقدمي الاشتراكي و"القوات اللبنانية" اللذين يستخدمان تشابيه متقاربة من حيث عدم امكان ملء السلة بالماء، في غمزٍ واضح لضرورة ضبط الهدر والاحتكام الى دائرة المناقصات. ويعبّر التقدمي عن تعامله الجديّ والايجابي مع خطة البستاني مع الحفاظ على المبادئ الاساسية، إذ يحتاج الملف من الناحية العلمية والتقنية الى التعامل بهدوء، ولا يمكن إجراء مناقصة في أسبوع مثلاً. ويتطلب وضع القطاع على سكة المعالجة الصحيحة دمج الحلّين الموقت والنهائي في ظلّ عدم الايمان بالحلول الموقتة. ويعارض التقدمي ملف البواخر الذي تحوّل الى ملف لا ينتهي وفق ما أثبتت التجربة. وتشدّد أوساط التقدمي على ما تعتبره أبرز سلبيات الخطة التي لم تتناول ملف الهيئة الناظمة للقطاع بشكل واضح، بل تتحدث عن اعادة نظر في القانون 462 الصادر سنة 2002. وهنا لا بد من تطبيق ما كان يفترض أن يطبّق لجهة تشكيل الهيئة الناظمة والبحث في تحديث القانون اذا كان ثمة ضرورة لذلك،
إذ لا بد للشق القانوني من أن يشكل مدخلاً اساسياً لاصلاح القطاع. 
صدرت قوانين كثيرة تتعلق بالكهرباء منها القانونان 462 و181، من دون تطبيق الجزء الاساسي منهما لمعالجة المشاكل. فالقانون 462 الصادر سنة 2002 حدّد ضرورة اعطاء مهلة شهرين لاعادة تشكيل مجلس ادارة للمؤسسة، و3 أشهر لتشكيل الهيئة الناظمة للقطاع، علماً أنه منذ 2002 ولغاية تاريخه لم تشكل هذه الهيئة. ويصرّ التقدمي على الهيئة الناظمة، خصوصاً أن مشاريع انتاج "سيدر" سترتكز على الشركة بين القطاعين العام والخاص. ويتطلّب الدخول في مشاريع انتاج تحت هذا العنوان هيئة ناظمة للقطاع. وقد أعطى القانون 462 صلاحيات هائلة للهيئة التي يفترض أن تكون مستقلة انطلاقاً من ضرورة وضع رؤية للقطاع وصولاً الى المساهمة في كيفية وضع دفتر الشروط واستدراج العروض. 
ويعارض زيادة التعرفة كما هو مقترح، بل يفضّل ربطها بضبط الهدر وزيادة الانتاج، والذهاب في خيار زيادة تعرفة مدروسة على أن تبقى الشرائح الدنيا من الاستهلاك معفية حتى لا تطاول الزيادة ذوي الدخل المحدود.
ويحصر التقدمي ايجابيات الخطّة بوضع الاصبع على الجرح والتطرّق للمرة الاولى الى ضرورة ضبط الهدر، وهو موضوع اساسي، فلا جدوى من زيادة الانتاج في ظل الهدر المرتفع. ويتمثل المدخل الاساسي لضبط قطاع الكهرباء بمعالجة الهدر الفني وغير الفني. لم تتطرّق الخطط السابقة التي قدمها وزراء الطاقة بين عامي 2010 و2017 الى هذا التفصيل. وقد أوردت خطّة البستاني للمرة الأولى نسبة هدر وصلت الى 34%، بعدما تحدّث تقرير البنك الدولي الذي صدر في تشرين الثاني 2018، عن 40% هدراً تقنياً وغير تقني. أما الدراسات التي أجراها متابعو الملف الاقتصادي في الحزب التقدمي، فتبين من خلالها أن نسبة الهدر التقني وغير التقني والفواتير غير المجباة تشكل 51%. وتفتح الخطة الباب باتجاه مناقشة حلّ جذري لموضوع الانتاج، اذ تحدّثت عن أكثر من احتمال. كما تطرّقت الى معالجة شبكات النقل والتوزيع. ويحرص التقدمي من هذا المنطلق على ضرورة اعادة تطوير الشبكات، ذلك أن زيادة الطاقة تحتاج الى تصريف ولا يمكن ايصالها الى المناطق من دون تطوير الشبكات، وهذا ما لم يُعمل عليه سابقاً بالشكل المطلوب.
وتتلاقى "القوات اللبنانية" في طرحها مع التقدمي في أكثر من مفترق، علماً أن أوساطها تنفي أي اصطفافات سياسية على صعيد العمل الحكومي، وقد تتقاطع "القوات" في ملفات أخرى مع قوى سياسية مختلفة، والأهم، في رأيها، العمل في الاتجاه الصحيح. وتؤكد أن خطة الكهرباء ستكون تحت المراقبة. وتذكّر الأوساط بورشة عمل "القوات" التي أصدرت توصيفاً دقيقاً وتوصيات واضحة تقضي بوقف الهدر الفني وغير الفني على الشبكة بمعنى تحصيل الاشتراكات ومنع التعديات. وتعتبر أن أي انتاج اضافي هو خسارة اضافية على الخزينة والشعب اللبناني. وتتمثل الخطوة الاولى الضرورية في وقف الهدر وربط الخطة النهائية المتمثلة ببناء معامل الانتاج مع تأمين الطاقة البديلة، حتى لا يتحول الموقت الى دائم مهما كان نوع هذا الموقت. ولا تتخذ "القوات" موقفاً مبدئياً من الحلول الموقتة، فإذا تبين أن البواخر أقل كلفة من سواها ومرتبطة بانجاز المعامل خلال فترة زمنية محددة لا مانع، اما اذا تبين توافر بدائل أفضل فهي قد تشكّل جزءاً من الحل النهائي. ولا بد تالياً، في رأي "القوات"، من تشكيل الهيئة الناظمة ومجلس ادارة المؤسسة والمرور بدائرة المناقصات. وبذلك تعتبر "القوات" أن السير وفق التدابير القانونية والجدية هو الأساس، أما حديث البعض عن مزايدات كلامية فهو نوع من رفع المسؤولية.
اذاً تتصدّر "القوات" والتقدمي القوى السياسية التي ترفع السقف، متوعدة بالرقابة المتشددة على خطة الكهرباء وعدم التوقيع على بياض، فيما تعبّر قوى حكومية فاعلة أخرى عن أجواء أكثر ايجابية. وهذه هي حال حركة "أمل" التي تقول مصادرها المتابعة ان الجميع توافق على الاطار العام والعناوين العريضة للخطة الحالية، وثمة لجنة تعمل على الملفات بتأنٍّ. وتخلص المصادر الى أن الحركة منفتحة على أي حلّ باستطاعته تأمين الكهرباء للمواطن بالكلفة الصحيحة، لذلك اعطت مجالا للجنة التي تعمل كي تنهي المقترحات، وتأمل في التوصل الى حلول طويلة، بعدما سئم الناس من الوعود.