راج كثيراً عقب الانتفاضة الشعبية في 17 تشرين الأول 2019، شعار "الطبقة السياسية الحاكمة"، وتحميلها مسؤولية الوضع المأساوي الذي يعيشه اللبنانيّون اليوم. الطبقةالحاكمة مسؤولة، هذا صحيح، لكن مَن كان الحاكم فعلياً منذ بداية عهد الطائف إلى اليوم؟ هل كان الحزب التقدمي الاشتراكي ورئيسه وليد جنبلاط شريكاً في السلطة، كما يتهمّه المنتفضون؟
نموذج عن ممارسة وليد جنبلاط في الحكومات التي شارك فيها هو ما أدلى به يوم كان وزيراً للمهجرين في حكومة الرئيس الشهيد رفيق الحريري في نيسان 1994. لقد قال بوضوح لصحيفة "النهار": "إن موالاة وليد جنبلاط، وصداقة وليد جنبلاط، مع دولة الرئيس الحريري لن تكون على حساب الشعب الفقير. هناك علاقة سياسية قديمة جداً بيني وبين الرئيس الحريري، لكن الحزب التقدمي الاشتراكي سيبقى متمسكاً بمواقفه وبتحالفاته مع نقابات العمال، مع الأحزاب في سبيل تدعيم خط الاستقرار السياسي والاجتماعي".
رغم وجوده في الحكومة، كان جنبلاط معارضاً للسياسات الاقتصادية والاجتماعية، والتي هي بحق السبب الرئيس في الوصول إلى ما نحن عليه اليوم. فهل كان بمقدور جنبلاط ووزيرين آخرين يمثلان الحزب التقدمي الاشتراكي مواجهة السلطة المتمثلة برئيس الجمهورية ورئيس الحكومة و27 وزيراً آخر؟ هل كان بمقدور كتلة الحزب التقدمي الاشتراكي المؤلفة من 5 نواب، و5 نواب مستقلين آخرين، أن تتصدى لأكثرية موصوفة في مجلس النواب المنتخب من 128 نائباً؟
ربما لا يريد المنتفضون الذين أكملوا في غيهم وغضبهم عما آلت إليه الأوضاع فأضافوا إلى انتفاضتهم شعار "كلن يعني كلن"، أن يسمعوا ويصدقوا أن وليد جنبلاط كان أول من أعلن استعداده للمحاسبة، لكن تحت شعار "قضاء عادل ومستقل". ربما يغفلون عن أنّ وليد جنبلاط أول من أيد عقب انتفاضتهم أحقية مطالبهم ولا يزال، وأول من سارع إلى تأمين الحد الأدنى من الحماية الاجتماعية والمعيشية عبر مساهماته وتبرعاته السخية في كل المناطق، ومن دون استنسابية أو استثناء.
لكن أن يشمل هذا الشعار جميع من عمل في السياسة، ليس منذ اتفاق الطائف، لا بل منذ قيام الجمهورية اللبنانية في العام 1943، فهذا تجنٍ لا يمكن القبول به. ولا يمكن أيضاً استساغة مقال أو صورة تدعو إلى قتل كل السياسيين، واعتبار ذلك دفاعاً عن النفس.
على رافعي شعار الانتفاضة العودة إلى العقل. والتنفيس عن الغضب لا يكون بإثارة غضب فئات أخرى من اللبنانيين.
هل يتذكر المنتفضون شعار "التسوية" التي أول من رفعها كان وليد جنبلاط؟
التسوية مطلوبة اليوم، ليس على الصعيد السياسي بين المكلّفين تشكيل حكومة، والتي هي أولى الأوليات، بل أيضاً بين المنتفضين أنفسهم، فعليهم الاتحاد وراء قيادة تستطيع وضع خطة، أو تصوّر، حول كيفية تحسين ما أفسدته الطبقة الحاكمة، ووضع شعارات بثّ الكراهية والحقد جانباً، إذ لا يستطيع من يرغب في نفض النظام السياسي القائم "ديموقراطياً" الاستناد إلى الحقد القابع في القلوب لتحقيق مطلبهم، اللهمّ إلّا إذا تحولت انتفاضتهم إلى "ثورة" حقيقية لا تكون إلا بالدم.
"كلن يعني كلن" تحت سلطة القانون، "كلن يعني كلن" خاضعون للمحاسبة. نعم وألف نعم، لكن "كلن يعني كلن" من دون توضيح المعنى الحقيقي، فهذه شمولية، أين منها الشمولية التي تسبّبت بانهيار دول وأنظمة تحكّمت بجزءٍ من العالم فترة 70 عاماً.