Advertise here

مؤتمر باريس: السعودية حاضرة... والعقوبات أيضاً

03 آب 2021 07:50:31

ثمّة سباقٌ محمومٌ بين وضع القطار الحكومي على السكّة وبين إقرار العقوبات الأوروبية التي باتت أقرب من أيّ وقت مضى إلى تجاوز إطارها النظري إلى الإطار التطبيقي. وربّما تتجاوز حالة "ممانعة" بعض الدول الأوروبية لها، فيُزال بذلك العائق الوحيد أمام أوّل عقوبات جماعية محتملة في تاريخ لبنان على رموز في الطبقة السياسية الحاكمة ومتفرّعاتها من أدوات مؤثّرة في القرارين المالي والاقتصادي.

وهو اتّجاه يُحظى بغطاء كامل من الإدارة الأميركية تجلّى في البيان المشترك الصادر عن وزير الخارجية الأميركي ووزيرة الخزانة، والذي تضمّن عبارات قاسية ومهينة دبلوماسياً، لم يتطوّع أحد في السلطة للاعتراض عليها. إذ أكّد أنّ العقوبات تهدف "من بين أمور أخرى إلى فرض تغييرات في السلوك، وتعزيز مساءلة المسؤولين والقادة الفاسدين الذين شاركوا في سلوك خبيث".   

يتزامن سيف العقوبات مع انعقاد المؤتمر الدولي الثالث لمساعدة لبنان الذي سيشارك فيه رئيس الولايات المتحدة الأميركية جو بايدن، بموازاة قرار سعودي متوقّع بالمشاركة. وهي خطوة، إضافة إلى مغزاها السياسي، سترفع حكماً من حجم المساعدات المخصّصة للبنان (وتشمل القوى الأمنيّة أيضاً) التي تجاوزت عتبة 280 مليون دولار.

ويقول مطّلعون إنّ "سفيرة الولايات المتحدة دوروثي شيا وسفيرة فرنسا آن غريو، خلال زيارتهما الرياض في 8 تموز الماضي، حصلتا على موافقة الرياض المبدئية على الانضمام إلى السرب الدولي في أول مؤشّر سعودي إلى كسر قرار "المقاطعة" في ما يخصّ الملف اللبناني".

وفي سياق هذا المشهد، يتزايد الحديث عن المطالبة بقيادة دولية مشتركة لتنسيق المساعدات إلى لبنان، وهو ما يتماهى مع التقرير الصادر عن لجنة الدفاع والقوات المسلّحة الفرنسية، الذي أوصى قبل أسابيع بتشكيل "قوّة مهمّات"، بقيادة مشتركة بين الأمم المتحدة وبين البنك الدولي، تتولّى "تنسيق الأعمال الإنسانية"، والأهمّ "مواكبة مشروع إعادة بناء مرفأ بيروت".

أمّا على خطّ العقوبات، فيشير بيان الاتحاد الأوروبي، في سياق سَرد التهم التي على أساسها ستُتّخذ العقوبات، إلى "سوء السلوك المالي الجسيم في ما يتعلّق بالأموال العامّة، ما دامت الأفعال المعنيّة مشمولةً باتفاق الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، والتصدير غير المصرّح به لرأس المال". وهذه التهمة تحديداً تشمل عهوداً بكاملها، وليس فقط مرحلة "مكودرة" ضمن إطار زمني محدّد. وهي فعليّاً بوّابة لعقوبات قد تكون موجعة وتطول رموزاً كبيرة جدّاً و"مشلّشة" في السلطة.

وتنفيذ الإطار القانوني للعقوبات، بعد اختيار لائحة الأسماء المشمولة به، سيكون "متحرّراً" من عقبة إجماع الدول الـ27 في الاتحاد الأوروبي على هذه العقوبات.

وتوضح مصادر مطّلعة لـ"أساس" أنّه "بعد تيقّن الفرنسي صعوبة الاستحصال على الإجماع الأوروبي على العقوبات، لجأت باريس إلى "Le service Europeen d’Action Exterieure" (SEAE)، الذي أوصى بوضع إطار قانوني للعقوبات، ثمّ أُقرّ في 30 تموز ضمن اجتماع المجلس الأوروبي "Comite des representants permanents"  (COREPER)، بعد موافقة وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي عليه في 12 تموز". والنصّ الرسمي الذي أُقرّ سيتمّ على أساسه إدراج الأسماء المشمولة بالعقوبات، والمتوقّع صدورها قريباً".

وتضيف المصادر أنّه "تحت سقف هذا الإطار القانوني المعلن، تستطيع أيّ دولة منضوية في الاتحاد الأوروبي اتّخاذ قراراتٍ تتوافق مع سياستها وفق ما ذكره إعلان الإطار عن "إجراءات زجرية وتحفيزية" بحق المسؤولين اللبنانيين. وسيكون بالطبع لأيّ خطوة أحادية من هذا النوع مداها التأثيري على دول أخرى. فحين تمنع فرنسا مثلاً مسؤولاً لبنانياً من دخول أراضيها، فهذا يعني استحالة حصوله على فيزا "شنغن". أمّا إذا قرّرت فرنسا أو أيّ دولة أخرى تجميد حساب هذا المسؤول، فعليها أن تبلّغ المجموعة الدولية للمصارف المركزية حول العالم، ويمكن عندئذٍ لأيّ دولة لديها علاقات مع فرنسا أن تجمّد الحساب نفسه".

 تعلّق المصادر قائلة: "ربّما مَن "تَحنّ" عليه دولة المَجَر، مثلاً، بفيزا قد يُضطرّ إلى التوجّه إليها بطائرة خاصّة بسبب الحظر المفروض عليه في دول أخرى".

لكن حتّى الآن لم يُكشف عن اسم أيّ شخصية قد تكون طالتها إجراءات أحادية من فرنسا أو أيّ دولة أوروبية من منطلق حقّ أيّ من هذه الدول في فرض ما يتلاءم مع سياستها الخارجية، وذلك بإبلاغ هذه الشخصيات بمنع دخول أراضيها أو تجميد أصول تملكها في هذه الدول.

لكنّ النقطة الأبرز في بيان الاتحاد الأوروبي الأخير أنّه يُظهِر أسلوباً أوروبياً غير اعتيادي في مقاربة استحقاق الانتخابات النيابية على أنّه "فَرض واجب" على القيادات اللبنانية من غير الوارد التلاعب في روزنامته. مع العلم أنّ ثمة موافقة رئاسية عكسها رئيس الجمهورية أخيراً بالاستعانة بمراقبين من "الاتحاد" للإشراف على الانتخابات، وتأكيده حصولها في موعدها.

وفيما يُتوقّع صدور العقوبات بالأسماء قبل وقت من الاستحقاق النيابي ربيع العام المقبل، فإنّ عدم حدوثه في موعده سيزيد من الضغط الدولي على لبنان، وقد يشكّل، وفق متابعين، مفتاحاً للهدف الأساس المطلوب دوليّاً: "قَبع" المنظومة الحاكمة وإحلال أخرى مكانها.

وسيكون محفِّز العقوبات الأساس ليس عدم إجراء الانتخابات في موعدها الدستوري، بل الفشل في تشكيل حكومة بعد ثلاث محاولات تلت استقالة حكومة حسان دياب، لأنّ هذا الفشل يعني "تفجير" المسلك الوحيد الذي كان يمكن أن يقود إلى مدّ "الجسر الدولي الجوّي" لإخراج لبنان من نفق الجحيم.

وقد عكست صحيفة "غارديان" قبل أيام جزءاً من الصورة بقولها إنّه "لا حلّ للانهيار الشامل سوى خطة إنقاذ دولية ضخمة تمزِّق منظومة دامت 30 عاماً منذ نهاية الحرب الأهلية".

وفي هذا السياق، يُنقَل عن سفير دولة مؤثّرة، خلال لقائه شخصية سياسية ليست في موقع السلطة، قوله: "أداء مَن هم اليوم في مواقع القرار السياسي والمالي والاقتصادي يمنح المشروعية الكاملة لأيّ إجراء دولي عقابي، حتى لو فُسّر بأنّه تدخّل في شؤون دولة أخرى. هناك قرار كبير متّخذ بالإطاحة بالأدوات الحاكمة منذ التسعينيّات، وكلّ ما يحصل يساعد هذا المسار. وهؤلاء بتقاعسهم وحساباتهم الضيّقة يقدّمون خدمات جليلة لنا".