Advertise here

الجزائر: ماذا بعد قرار الجيش؟؟/ بقلم غازي العريضي

04 نيسان 2019 15:41:00 - آخر تحديث: 04 نيسان 2019 16:01:09

حسم رئيس أركان الجيش الجزائري الجنرال قايد صالح النقاش حول مسألة أساسية وهي شغور المنصب الرئاسي لأن الشعب الجزائري بكل فئاته استمر في مظاهراته السلمية في كل الولايات وخصوصاً في العاصمة رفضاً لاستمرار بوتفليقة رئيساً حتى يصار الاتفاق على تعديل الدستور وإجراء انتخابات جديدة معتبراً قرار الرئيس تمديداً لنفسه والتفافاً على المطلب الشعبي باجراء انتخابات رئاسية فور الانتهاء من ولاية الرئيس الحالي . لا شك في أن موقف الجيش كان صدمة لبوتفليقة وفريقه. ومعروف أنه تاريخياً صاحب القرار النهائي. وبمجرد تخلّيه عن الرئيس يعني أننا انتقلنا الى المرحلة الثانية. من هي الجهة التي ستتولى الإشراف على الوضع في البلاد لإجراء الانتخابات؟؟ ثمة أفكار عديدة تطرح. منها أن يتولى الجيش المسؤولية. رئيس الأركان رفض حتى الآن والأمر ليس دستورياً. وثمة فكرة تقول بتشكيل لجنة من غير المرشحين وغير المحسوبين على أحد وبدعم من الجيش تتولى زمام الأمور. ليتم انتخاب رئيس جديد. وطرحت فكرة تسلّم رئيس المجلس الدستوري الطيّب بلعيز أو السيد عبد القادر بن صالح رئيس مجلس الأمة الرئاسة لكن الفكرتين رفضتا من قبل المتظاهرين لأن الرجلين من جماعة الرئيس الذي يجب أن يرحل. الصورة غير واضحة حتى الآن. وثمة آراء مختلفة داخل أركان جبهة التحرير الوطني -حزب الرئيس-. وداخل قوى المعارضة أيضاً، مما يعني ان التحرك الشعبي سيستمر وهذه مسألة حسّاسة. لا يمكن الوصول الى اتفاق حول شخص الرئيس دون اتفاقات خارجية مع الجيش. فرنسا معنية بأزمة الجزائر اليوم . أي توتر في البلاد قد يؤدي الى خروج آلاف الجزائريين إليها لأن أهلهم هناك ولأنها الدولة الأقرب. وواقع فرنسا الحالي لا يحتمل ذلك مع تحرك "السترات الصفر" والنزعة العنصرية التي ترافقه لاسيما لجهة إتهام "المسلمين"، العرب، المغاربة والجزائريين وغيرهم بالمشاركة في التخريب انتقاماً لسوء معاملتهم ومن تاريخ فرنسا معهم. أما أميركا فدورها أساسي منذ سنوات طويلة وهي مهتمة بموقع الجزائر وحركتها وثرواتها النفطية والغازية والمعدنية. وباتت موجودة بقوة في البلاد منذ ربع قرن تقريباً. كذلك لا ننسى الواقع الديموغرافي الداخلي وبالتحديد وجود "البربر" ونزعة الانفصال عندهم أو "الحكم الذاتي" لمناطقهم وهي مسألة حساسة جداً في السياسة الجزائرية الداخلية. كذلك ثمة حركة إسلامية ناشطة سبق لبعض فصائلها أن وصل الى السلطة ومنع من الحكم وعاشت الجزائر مرحلة صعبة أمنياً وسياسياً واقتصادياً لسنوات دفعت ثمنها غالياً من أبنائها وأمنها واستقرارها . اليوم هذه الحركة موجودة . تحاول العودة الى الحكم . وثمة المغرب في المقلب الآخر ،وخلاف بينه وبين الجزائر علــــى الصحراء الغربية وحكم  "البوليساريو"،  وفي تلك المنطقة ثروات هائلة، والنزاع عليها وفيها لم يحل. الجزائر تعتبرها "دولة مستقلة" والمغرب يعتبر المنطقة جزءاً منه. وفي المغرب حركة إسلامية ناشطة والنار تحت الرماد كما يقال بسبب الوضع الاقتصادي والاجتماعي والمالي الصعب. يسجّل لقيادته الحالية أنها كسبت وقتاً ولم يسقط البلد في لعبة العنف كما حصل في مصر وسوريا وليبيا وغيرها. لكن لا شيئ محسوماً ومستقراً حتى الآن. لا في الداخل ولا على الحدود ومع الجيران الإسبان أو الجزائر كما أن ثمة "بربراً " فيها!!

لذلك، كلّما أسرع الجزائريون في التوصل الى تسوية واتفاق كلّما كان ذلك لمصلحة الاستقرار في البلاد. أما إذا استمر الصراع فلا أحد يمكنه التنبؤ بالنتائج. هل يبقى التحرك سلمياً كما هو اليوم، وحضارياً يعبّر عن مشهد راقٍ ومستوى مسؤول وحسّ وطني كبير إضافة الى الحسّ القومي من خلال الإصرار على رفع علم فلسطين وإعلان الولاء لقضيتها والانحياز لحقها وهذا مشهد معبّر جداً في هذه المرحلة، أم تتدهور الأمور وتتعمق الخلافات وتصل الى الصدام؟؟

ثمة أمر حصل، لا يمكن إغفاله دون الوقوع في فخ وأسر نظرية المؤامرة . فجأة وصلت منذ أيام طائرة أميركية الى مطار هواري بومدين في الجزائر ناقلة 29 داعشياً استلمتهم المخابرات الجزائرية ومن بينهم المدعو أبو معاذ الجزائري وهو من قادة الصف الأول في " التنظيم " قام بمحاولة انقلاب على رئيسه أبو بكر البغدادي منذ مدة فرصد الأخير مكافأة مالية كبرى لمن يأتي برأسه إليه . توقيت تسليم هؤلاء الى الجزائر لافت. لماذا لم تتم العملية قبل اليوم وهؤلاء كانوا موقوفين لدى القوات الأميركية وحلفائها الأكراد منذ مدة طويلة؟؟ هل يمكن أن تكون هذه العملية المدخل الى عمليات "داعشية" إنتقامية على الأرض الجزائرية؟؟

بالتأكيد اسرائيل لا ترتاح لموقف الجزائر. والملايين الذين رفعوا العلم الفلسطيني لا يطمئنوها. نبض الشعب الجزائري نبض نضال وعزة وكرامة ووطنية وتبن للقضايا المحقة والعادلة في العالم فكيف إذا كانت القضية عربية فلسطينية؟؟ وأميركا تطمع بالخيرات وتريد أن تمسك بمفاصل القرار أكثر لاسيما في مرحلة الإرباك الفرنسي الذي تعبّر إدارة ترامب عن ارتياح كبير له ولا تريد هي واسرائيل رؤية فرنسا دولة قوية وأوروبا منطقة متماسكة. 

صديق جزائري خبير عتيق قال لي: "بدأ الأميركيون والفرنسيون منذ مدة التواصل مع قادة الجيش ومع مسؤولين جزائريين آخرين وفتحوا قنوات مع جهات داخلية. يعملون في كل الاتجاهات تحسباً لكل الاحتمالات . الجيش متماسك. لا خوف عليه. لكن لا شيئ واضحاً حتى الآن حول المواقف الأخيرة التي تحسم مرحلة ما بعد بوتفليقة" وأضاف: "الحركة الأميركية واسعة .تواصل مع المغرب ومع عدد من الدول الأفريقية. بعض هذه الدول أعلن فجأة تأييد "البوليساريو". لماذا الآن؟؟ ما هي الأبعاد؟؟ ما علاقة ذلك باللحظة الصعبة التي نمر بها ؟؟ علماً أن عدداً من هذه الدول في الأساس هو على خلاف مع المغرب. لقد فتحت كل الصراعات والشهوات ومحاولات الانتقام وتصفية الحسابات دفعة واحدة في الداخل والمحيط وهذا ما يقلق الجزائريين الذين لا يريدون العودة الى سنوات الاقتتال والعنف والتطرف. هــــذه المرة ، إذا سقطنا في هذه اللعبة ستكون الأمور أصعب نظراً لما هو حاصل في العالم العربي ، ولتنامي حركات الإرهاب وتمدّد أميركا واسرائيل في أكثر من ساحة، ولتفكك الكيانات العربية على مستوى الدول أو مؤسسات العمل المشترك. البلاد على مفترق خطير لكن ما نراه في المظاهرات من حسّ عال بالمسؤولية وتصرّف حضاري يطمئن ولا أعتقد أن الأيام السوداء ستعود الى بلادنا . المهم أن نحفظ وحدة هذا التنوّع في صفوف المتظاهرين وأن نصل الى التغيير بالطرق السلمية " .

تحية الى حكماء وأحرار الجزائر.