تسوية وليد بك
27 تموز 2021
10:07
Article Content
عاد لبنان اليوم، بعد استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري، إلى أبواب ثورة 17 تشرين الأول، واعتذاره عن التكليف، إلى تسوية ومعارضتين.
هذا أمرٌ بهيج في الشكل وفي المضمون. أعادت جميع الكتل النيابية تموضعها، إمّا في "التسوية"، أو في "المعارضة". ووقفت "ثورة 17- ت1" تنتظر على نارٍ هادئة.
تكليف دولة الرئيس نجيب ميقاتي من جديد، أرسى قواعد اللعبة بين جميع القوى اللبنانية المؤثّرة في إنتاج السلطة.
لبنان كان ينتظر هذه "التسوية" التي دعا إليها الزعيم وليد بك جنبلاط، رئيس الحزب الإشتراكي، منذ زمان بعيد، تلك التي تتيح بعينها، لجميع القوى خارجها، أن تأخذ دورها، وتعيد تموضعها أيضاً.
هذه "التسوية الجنبلاطية"، إنّما جاءت أخيراً على مذهب كورونا.
"تسوية متحوّرة" تجمع الأطراف التي رضيت بالتسوية، وأتاحت لمن ظلّ خارجها التمحور السياسي، على الطريقة التي ينشئها، بالقسطاس نفسه، دون زيادة أو نقصان.
تسوية جنبلاطية متحوّرة، هي فرصة لجميع اللبنانيّين اليوم. أدركها وليد جنبلاط ونحن على "أبواب جهنم": في المعاش اليومي القاتل. وفي لعبة الأمم القاتلة. وفي التفسّخ السياسي اللبناني والعربي حتى حدود الاهتراء. وفي ظلّ صراعين يهزّان المنطقة العربية هزاً، ويؤثّران تأثيراً قوياً على لبنان.
صراعان، أحلاهما مر:
1- الصراع العربي- الإسلامي مع إسرائيل.
2- الصراع الدولي والعربي والإسلامي مع إيران.
منذ أن أعاد وليد جنبلاط تموضعه السياسي، بناءً على استشرافاته التي تصيب أكثر مما تخطئ عادة، صدر الحديث عن ضرورة عقد تسوية بين اللبنانيّين، قبل الذهاب إلى الانتخابات اللبنانية القادمة.
أراد وليد جنبلاط أنّ الأفضل أن تجري هذه الانتخابات على نارٍ هادئة.
ووجد أن ذلك أكثر ما يكون صحيحاً في العمل السياسي، لأنّ لبنان تحرقه النيران القوية. أما اللعبة السياسية الهادئة فهي، أقلّه، تهدّئ خواطر اللبنانيّين الذين يحبّون سماع "أزيز الرصاص".
أهمّ ما في هذه "التسوية" أنّها حفظت حقوق جميع القوى، والتيارات، والكتل والأحزاب، في العمل السياسي. وحفظت بالمماثل، وضمن شروط الأخذ باللعبة الديمقراطية، بلا تهويل، وبلا عسكرة، أن تتابع هذه اللعبة الديمقراطية، تحت أنظار الأمم كلها.
حكومة برئاسة نجيب ميقاتي، هي "حكومة تسووية". بل هي "حكومة تسوية" بامتياز، تحفظ حقوق الأطراف الداخلة فيها، تماماً كما تحفظ حقوق الأطراف الذين ندّوا عنها.
حكومة برئاسة نجيب ميقاتي، وضعت اللبنانيين جميعهم، أمام المشهد العالمي، على المحك: إمّا ولاء، وإمّا معارضة. وبلا عقد، وبلا خوف. وبلا تخويف. وبلا تهويل، وبلا استقواء على أحد.
تسوية لبنانية بـ"طبعتها الجنبلاطية"، إنّما هي فرصة للجميع: تسوويين كانوا، أو غيرهم.
حفظت الحق لمعارضتين. وحفظت الحق للثورة. وما هي بالتي تريد الافتئات على أحد.
ذلك أن من يلعب لعبة الافتئات على غيره، إنما هو يكتب مصيره نفسه بنفسه، على قاعدة: "من حفر حفرة لأخيه، وقع فيها".
تسوية ومعارضتان في المقدمة، وثورة في الفناء الخلفي لمّما يشجع لبنان والعرب والعالم، على الدفع بالتكليف. وأن يكلّل أيضا بالتأليف.
فلتجتمع جميع جهود القوى التى ذكرنا إذن، للدفع بعربة التأليف قُدُماً إلى الأمام حتى تأخذ طريقها إلى حيّز التنفيذ. وأن تعمل، أيضاً وأيضاً، على إزالة جميع أنواع العثار من قدّامها.
لبنان اليوم، بعد تكليف دولة الرئيس نجيب ميقاتي، يحيي "التسوية" بين اللبنانيين المتعاقدين فيها، ويحفظ من خلالها أيضاً للمعارضين والمتحفظين، والثائرين، حقوقهم.
تسوية، تمنح اللبنانيين جميعاً، أن يلتقطوا أنفاسهم من جديد. تسوية لبنانية مؤيدة محلياً وخارجياً يجتاز بها لبنان، ويجتاز من خلالها اللبنانيّون، هذا القطوع الصعب الذي نمرّ به.
نريد قطوع "تشكيل الحكومة"، وقطوع "الرابع من آب"، ذكرى "الإنفجار البغيض".
تسوية لبنانية ببصمتها الجنبلاطية، يذهب فيها دولة الرئيس المكلّف بتشكيل الحكومة، ويمنع بها بالتالي، عن اللبنانيّين، "الانفجار الأبغض"، في ذكرى الرابع من آب.
تلك الذكرى المشؤومة. ذكرى "المقتلة اللبنانية" المشؤومة، نكرّر، والتي نزلت مثل الصاعقة، على جميع اللبنانيّين.
* أستاذ في الجامعة اللبنانية