بلدٌ أبناؤه أينما ذهبوا كان النجاح والتألّق حليفهم في جميع المجالات العلمية، والثقافية، والفنية. بلدٌ أبناؤه من أكفأ الأطباء، وأنجح المهندسين، وأهم المبتكرين، وأنشط العاملين، وأبدع الطلاب.
بلدٌ أبناؤه لا يخافون من أي معتدٍ وظالمٍ خارجيّ، ويضحّون بأثمن ما يملكون من أجل التخلّص منه… ولكن، وللأسف، أصبحت فرحة أبناء هذا البلد تكمن بمساعدةٍ غذائيةٍ وكراتينِ إعاشةٍ من هنا وهناك، أو بتعبئة كمية ولو قليلة من الوقود، حتى وإن كانت بأسعارٍ خيالية. هذا ناهيك عن الاحتفالات التي يقيمونها إذا جاءت الكهرباء، وعن الفرحة التي تعمّ إذا ما انقطع إرسال الهاتف، أو الانترنت خلال اجتماعٍ أو اتصال.
من المعيب ما وصل إليه أبناء هذا البلد في أيّامنا هذه، حيث لا وجود لأدنى مقومات العيش الكريم. فأصبحت أقصى آمالهم وطموحاتهم تقتصر على تأمين قوت يومهم. وأصبح التفكير ببناء مستقبلٍ واعدٍ وحالم جريمة، والعمل جريمة، والفرحة جريمة، وكل شيء جميل جريمة. والجريمة الأكبر باتت بالحصول على علبةٍ من الدواء لمريض ما. كيف لا، والمرضى يموتون كل يوم على أبواب المستشفيات، يستنجدون دواءً وسريراً.
بلدٌ أبناؤه يمتلكون كل الصفات لبناء بلد متطورٍ متقدّم. ولكن تبقى خياراتهم هي التي جعلت من بلدهم "جهنّم".
فمقابل التقدّم ما زلنا نعود للخلف ونسقط في الحفرة تلو الأخرى. ألمْ يحن الوقت بعد للإختيار الصحيح السليم؟ ألمْ يحن وقت التغيير، التغيير الحقيقي والصحيح؟ ألمْ يحن الوقت بعد يا أبناء هذا البلد الجميل لكي ننفض عنّا غبار الطائفية والتبعية؟
مشاكلنا كثيرة وكثيرة، ولكن نحن جزء كبير منها. فلننتفض على أنفسنا وأفكارنا الرجعية أولاً، ولنختر عن قناعة، بعيداً عن التعصّب المناطقي والطائفي، من يمثلنا ويدير شؤوننا. فهذا واجبٌ تجاه أنفسنا وأبنائنا وأهالينا وتضحيات الكثير مِن مَن سبقنا، كما وتجاه وطننا. فلنحاسب كل من يحتسب هذا الوطن صندوق بريد لمصالح الغيْر، وطابعة أموال لجيبه، وسلّماً يصعد عليه للوصول إلى كرسيه.
وأيا حكّام بلدنا، ألم تتعبوا بعد؟ ألم يصحُ ضميركم بعد؟ ألم تتعظوا بعد؟ فكم من طوابير الذلّ تريدون بعد؟ وكم انفجار مرفأ تريدون أن تفتعلوا بعد؟ وكم صوت مظلوم تريدون أن تسمعوا بعد؟ وكم ضحية تريدون أن تُسقطوا بعد لكي تتراجعوا وتنزلوا عن عروشكم وتذهبوا بعيداً، وترحموا البلد وأبنائه؟