Advertise here

المعاناة مستمرّة: لا أدوية لهؤلاء... مؤامرة من "الكارتيل" للتسعير بالدولار؟

22 تموز 2021 19:11:46

"ما في، مقطوع" بهاتين الكلمتين يردّ عليّ الصيادلة خلال "رحلة بحثي" عن الدواء، يقول كرم، الشاب الثلاثيني الذي يبحث بشكل شبه يوميّ عن أدوية لوالدته. ويصحّ القول إنّ ما يعيشه الأخير هو لسان حال أيّ لبناني يصارع الداء في غياب الدواء، لا بل أكثر وبالأدلّة، فتّشوا في حقائب العائدين إلى ربوع الوطن... هناك، وبالدليل القاطع تتأكّدون: في غياب أيّ عون، أصبح الحلم علبة دواء! 

لم يخفّف ارتفاع الأسعار في لوائح الأدوية المستثناة من الدعم والصادرة أخيراً عن وزارة الصحّة من هول المجزرة الدوائية التي ترتكب بحقّ اللبنانيين، كذلك لم يؤثر فتح الباب أمام الاستيراد الطارئ. فهل الأزمة باقية؟ 

يؤكّد مدير المركز الوطني لجودة الدواء والغذاء والمياه نزيه بو شاهين في حديث لـ"الأنباء" الالكترونيّة أنّ "مشكلة الدواء مزمنة منذ عشرات السنين ولا شكّ أن تدهور الوضع الاقتصادي والقدرة الشرائية أدّيا إلى الارتفاع الحاد في أسعار الأدوية. وتظهر دراسات عديدة أنّ فاتورة الدواء في لبنان هي من الأغلى عالميًّا حيث كان الدعم يستنزف حوالى 3 في المئة من الناتج المحلي وهو من أعلى الأرقام في العالم". ويشرح: "وصلت كلفة استيراد الأدوية والمستلزمات الطبية وحليب الأطفال إلى مليار و173 مليون دولار عام 2020 وارتفعت في الأشهر الخمسة الأولى من هذا العالم إلى مليار و310 مليون دولار، وجزء كبير من هذا الارتفاع الحاصل يعود إلى استهلاك أدوية الأمراض المستعصية والمزمنة وبسبب تهريب الأدوية المدعومة من لبنان أو تخزينها إلى حين رفع أسعارها لتحقيق أرباح".

ويضيف بو شاهين: "مصرف لبنان أخفض دعم الأدوية إلى 50 مليون دولار شهريًّا وهو أدنى بكثير ممّا كان متوقّعاً. وبعد تحديد وزارة الصحة للأسعار وهامش الربح اعترضت نقابة مستوردي الأدوية معتبرة أنّ الأرقام التي حدّدتها الوزارة لا تغطي نفقاتهم حتى، وهذا ما يؤدي إلى وجود العديد من الأدوية في المستودعات من دون أن توزّع على الأسواق. كما أن الصيدليات رفضت خفض نسبة من الجعالة التي يتقاضونها". فهل المطلوب أن تسعّر الأدوية على أساس سعر صرف الدولار؟!

إذاً، زيادة أسعار الأدوية لم تحلّ الأزمة إذ لم تقترب من التسعير على أساس سعر صرف الدولار. ويبقى المتأثّر الأكبر، المواطن، الذي يتخبّط بين استمرار فقدان الأدوية وارتفاع أسعارها إلى حدّ يعجز عن تأمينه. وفي دراسة أجريت على ذوي الدخل المحدود، بحسب بو شاهين، تبيّن أنّه لا يمكنهم شراء أدويتهم المزمنة بشكل دوري في ظلّ ارتفاع أسعارها. فما الحلول؟ ومن يحمي المواطن من "كارتيل" الدواء ومؤامرته التي تدفع نحو التسعير بالدولار؟

يجيب بو شاهين: "في لبنان كان هناك مختبراً مركزيًّا يقوم بدور صمام الأمان الصحي ولكن بعد أن أوقف عمله لم يعد لدينا مؤسسة فاعلة تقوم بمراقبة على الأرض. وقد تمّ تأسيس المركز الوطني لجودة الدواء والغذاء والمياه بمساعدة وزير الصحّة في ذلك الحين وائل أبو فاعور للقيام بجزء من دور المختبر المركزي في القيام بالاختبارات على الأدوية. كذلك هناك مركز اليقظة الدوائية الذي يجب أن يتمّ دعمه ماديًّا وبكوادر بشريّة من أجل تطوير مهامه لمراقبة جودة الأدوية". 
ويرى أنّه "يمكن ترشيد لائحة أدوية الـGeneric، بحيث يبقى من كل نوع عدد قليل، بالإضافة إلى إعطاء الأولويّة للصناعة الوطنية"، قائلاً: "اقترحنا قبل سنوات أيضاً أن تقوم الدولة بمناقصة عالميّة لشراء الأدوية مباشرة لجميع الهيئات الضامنة الرسمية ما يجعلها أقلّ كلفة". 

نعاني في لبنان من أزمات متتالية لم تلقَ العلاج اللازم من المعنيين الغائبين، وهم الداء الأكبر... ارحمونا!