Advertise here

الهواجس الجنبلاطية

17 تموز 2021 07:48:49 - آخر تحديث: 17 تموز 2021 09:05:05

قد يكون رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط أول مَن أدرك أن الأزمة اللبنانية غير عادية، وهي تُنذر بعواقب خطرة وغير معروفة النتائج، وقد تؤدي الى إنحلال لبنان، او الى صراعات لا تنتهي. وقد حاول جنبلاط تفكيك بعض الألغام التي زرعت في طريق تشكيل الحكومة، عندما زار قصر بعبدا والتقى الرئيس ميشال عون في 21 آذار/مارس الماضي، مقترحاً تأليف حكومة من 24 وزيراً بد 18، ولا تحتوي أي ثلث معطل لأي طرف، وهو ما أعتبره البعض إرضاءاً لقريق رئيس الجمهورية، ولكن الإقتراح تأكيد على ثوابت رئيس الحكومة المكلف في ذات الوقت. وقد إنطلق الرئيس نبيه بري من هذه الأفكار ليصيغ مبادرة تحمل ذات التوجهات، لكن الوقائع دحضت كل هذه المساعي، بينما البلاد تختنق من جراء الفراغ في السلطة التنفيذية لأنها مُناطة بمجلس الوزراء وفق الدستور، ولأن رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب معتكف عن القيام بمهامه الطبيعية منذ ما يقارب 11 شهر، وهو ما أشارت اليه سفيرة فرنسا آن غريو خلال لقاء السفراء في السرايا الحكومية الثلاثاء الماضي.

هذه المعطيات القاتمة، مترافقة مع أزمة معيشية خانقة، وتوتر أمني في بعض المناطق على خلفيات تحديات يمارسها بعض الشباب على وسائل التواصل الإجتماعي؛ دفعت جنبلاط للقيام بمجهود إستثنائي لتثبيت التعايش بين المجموعات الحزبية والطائفية في الجبل على إختلافها، خوفاً من إنزلاق الأوضاع الى مندرجات خطيرة قد تدفع الى تفلُّت الأمور وسط إرتباك سياسي غير مسبوق.

وهدف جنبلاط إضفاء أجواء من الإسترخاء الحزبي، وتطويق أي أشكالات قد تقع، لأن مثل هذه الإشكالات كانت سبباً لحروب قاتمة في الماضي. وتوترات الجبل لها تأثيراتها الكبيرة على أوضاع لبنان من جراء التداخل السكاني الكبير بين كل المكونات الإجتماعية اللبنانية، خصوصاً بين المسيحيين والموحدين الدروز. وقد تمَّ رصد عدة فيديوهات مشبوهة تُبشر بالحروب، صورها شباب غالبيتهم محسوبين على جهات حزبية، ومنهم من الحزب التقدمي الإشتراكي الذي يرأسه جنبلاط، مما إنعكس بعض التوتر في أكثر من بلدة.

الجولات التي قام بها جنبلاط على مرجعيات دينية درزية ومسيحية نهار السبت في الشوف، شملت خلوات القطالب التاريخية في بعذران وخلوة المرجع الديني الراحل الشيخ أبو محمد جواد ولي الدين في بعقلين وكنيسة بلدة بريح وبيت الضيعة فيها حيث كانت آخر مصالحات الجبل عام 2014 بحضور الرئيس ميشال سليمان والبطريرك الراعي والسيدة ستريدا جعجع، وكان في الجولة محطة جامعة في كنيسة بلدة الفوارة التي شهدت بعض الأحداث الفردية في المدة الأخيرة؛ وتميزت اللقات بحضور كثيف لرجال الدين ولفعاليات سياسية وحزبية وبلدية من كل الإنتماءات، وشارك فيها ايضاً نواب الشوف على إختلافهم، بما فيهم نواب التيار الوطني الحر فريد البستاني وماريو عون، وغياب نائب القوات اللبنانية جورج عدوان كان لسبب شخصي طاريء وهو من أول المدعوين الى المشاركة. كذلك حضر رئيس اللقاء الديمقراطي تيمور جنبلاط ونواب اللقاء بلال عبدالله ونعمة طعمة والنائب المستقيل مروان حمادة. والكلمات التي ألقيت من الحاضرين، والمواقف التي أعلنها جنبلاط؛ تلاقت على ضرورة مواجهة الصعاب المعيشية بوحدة موقف بعيداً عن العنف والتشنج وعن الحسابات الحزبية والإنتخابية، لأن مصير البلاد وحياة الناس أهم من كل المواقع والمناصب على ما أشار جنبلاط في اللقاءات وفي كلمته في المصالحة التي حصلت في بلدة دميت.

في جعبة جنبلاط حزمة واسعة من المخاوف على لبنان من جراء التجاذبات الدولية في المنطقة، وخصوصاً بين ايران والولايات المتحدة الأميركية. والعناد الذي يقف خلف تعطيل تشكيل الحكومة؛ لا يبدو أنه ناتج عن حسابات عادية، بل يؤشر الى وجود نوايا مبيتة عند أفرقاء النزاع، فمنهم من يُهدد بقلب الطاولة على صيغة النظام، ومنهم من يُعد العدة ليمدد لنفسه كخيار إلزامي بعد الإرتطام، ومنهم المُتردد الذي لا يعرف نفسه ماذا يريد بالضبط، ولا تقل خطورة موقفه عن مخاطر مواقف الآخرين. بينما لبنان مهدد بالعتمة الشامل وبالعطش وبالجوع وبالفوضى، وهو من دون حكومة قادرة على إتخاذ قرار للبدء بتوقيف حالة الإنهيار.