Advertise here

تركيا أمام تحول سياسي كبير: هل بدأ العد العكسي لحكم أردوغان؟

03 نيسان 2019 08:41:18

وجّهت المعارضة التركية ضربة قوية للرئيس رجب طيب أردوغان وحزب العدالة والتنمية الحاكم، بعد فوزها في مدن رئيسة، بينها أنقرة وأزمير وإسطنبول وأنطاليا، حيث خسر حزب "العدالة والتنمية"  الانتخابات البلدية في أنقرة بعد 16 عاما من توليه إدارة العاصمة التركية، كما خسر إسطنبول، تلك المدينة العريقة والمهمة في تأثيرها السياسي والاقتصادي داخل تركيا، والتي بقيت تحت ولاية حزب العدالة والتنمية في دورات انتخابية متلاحقة،  منذ ان فاز فيها أردوغان برئاسة بلديتها في تسعينات القرن، قبل ان ينطلق في مساره السياسي التصاعدي نحوى الرئاسة المطلقة للبلاد، منذ توليه رئاسة الحكومة في عهد رفيق دربه عبد الله غول.

وتشكل خسارة أهم مدينتين في البلاد هزيمة مدوية لأردوغان، الذي انخرط بقوة في الحملة الانتخابية، التي اعتبرها في مواقف عديدة معركة حياة أو موت، فعقد أكثر من مئة مهرجان انتخابي خلال 50 يوما، وألقى ما لا يقل عن 14 خطابا يومي الجمعة والسبت لوحدهما في إسطنبول، ما جعل من الانتخابات بمثابة استفتاء جديد على حكم حزب العدالة والتنمية، خاصة في تلك المرحلة التي تواجه فيها البلاد أول انكماش اقتصادي منذ عقد تقريباً، وتضخما قياسيا وبطالة متزايدة، ما حول هذه الانتخابات الى اختبارا حقيقيا لشعبية الرئيس رجب طيب أردوغان بعد فوزه المتكرر في كل الانتخابات منذ وصول حزبه العدالة والتنمية الذي يترأسه إلى السلطة عام 2002.

وكان رئيس اللجنة العليا للانتخابات سعدي غوفن فوز مرشح المعارضة في رئاسة بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلوا وتصدر النتائج بنحو 28 ألف صوت، على منافسه من حزب العدالة والتنمية رئيس الوزراء السابق بن علي يلدريم، مع فرز معظم الأصوات، فأحرز إمام أوغلوا قرابة 4,16 مليون صوت مقابل 4,13 مليونا لبن علي يلديريم، وفي أنقرة، تقدم مرشح المعارضة منصور يافاش على مرشح حزب العدالة والتنمية محمد أوز هسكي بحصوله على 50,89% من الأصوات مقابل 47,06%  على رئاسة مجلس بلدية العاصمة بعد فرز 99% من صناديق الاقتراع، كما انتزعت المعارضة رئاسة بلدية أضنة من حليف أردوغان، حزب "الحركة القومية"، وأنطاليا من "العدالة والتنمية"، كما احتفظت بسيطرتها على مدينة إزمير.

لكن الرئيس أردوغان قلل من أهمية الخسارة وحرص على إبراز إيجابيات النتائج التي حصدها الائتلاف الذي شكّله حزبه مع "الحركة القومية" الذين تصدّرا النتائج على المستوى الوطني، بنيلهما 51.7 في المئة من الأصوات، علماً ان نسبة الاقتراع بلغت 84.52 في المئة. وقال أردوغان لمؤيّدين في أنقرة: "إذا كان هناك أي تقصير، من واجبنا إصلاحه، سنبدأ العمل لتحديد مكامن الضعف لدينا، ومعالجتها".
ورجّح قيادي في الحزب الحاكم "تغييرات في بعض المواقع، مثل الدائرة المقربة من أردوغان في الحزب ومجلس الوزراء"، بعد نتائج الانتخابات.

في المقابل، اعتبر زعيم المعارضة كمال كيليجدار أوغلوا أن "الشعب صوّت لمصلحة الديموقراطية".

بدوره إمام أوغلوا الفائز في إسطنبول قال للصحفيين "نريد أن نبدأ بالعمل على خدمة الشعب في أقرب وقت ممكن. نريد أن نتعاون مع جميع المؤسسات في تركيا لنتمكن سريعا من سد احتياجات إسطنبول".

وقال يافاش الذي فاز في انقرة، أمام أنصاره الذين لوحوا بالأعلام التركية الحمراء وأطلقوا الأسهم النارية خلال تجمع احتفالي "فازت أنقرة، وخسرت السياسات القذرة وانتصرت الديمقراطية"

الى ذلك انتقدت مجموعة مراقبة الانتخابات التابعة للمجلس الأوروبي، القيود المفروضة على حرية تعبير المواطنين والصحافيين. وقال رئيس البعثة أندرو دوسون: "لسنا مقتنعين بأن تركيا تتمتع الآن بأجواء انتخابية حرة ونزيهة، وهذا أمر لازم لانتخابات ديموقراطية حقة تتماشى مع المعايير والمبادئ الأوروبية. لكننا نعتبر نجاح أحزاب كثيرة، إشارة إيجابية الى مرونة ديموقراطية في تركيا".

مصادر تركية مراقبة قالت في اتصال مع "الأنباء"، أن "نتيجة الانتخابات "الاستطلاع" شكلت أكبر صدمة سياسية في تركيا منذ محاولة الانقلاب الفاشلة في عام 2016، وإذا كان رد فعل أردوغان الفوري حينها إصدار أوامر باعتقالات جماعية وإلقاء اللوم على المتآمرين الأجانب، بما في ذلك الجيش الأمريكي، واستخدام الانقلاب كذريعة لتعزيز قبضته على السلطة، وإقصاء معارضيه وشن عمليات تطهير عشوائية في جميع أنحاء البلاد، لا ندري ماذا ستكون ردة فعل أردوغان وحزبه في الأسابيع القادمة بعد وضوح النتائج".

ورأت المصادر أنه وبعد فوز أردوغان بنتائج كاسحة في استفتاء أجراه العام الماضي، مكنه من السيطرة على المؤسسات التركية، بما في ذلك الحكومة والجيش والمحاكم، والقضاء على قدرة الصحفيين المستقلين على التدقيق والتحقيق، فإن الانتخابات البلدية الحالية شكلت صفعة كبيرة لأردوغان ولنهجه الجديد، وهذا ما بدأ يتحدث عنه الأتراك في مجالسهم الخاصة، وقد يدفعه ذلك الى تشديد قبضته أكثر".

ورأت المصادر أن أحزاب المعارضة، تمكنت من توحيد صفوفها، مستفيدة من الازمة الاقتصادية والسياسات الخاطئة التي ارتكبها أردوغان في تعاطيه مع مجمل الملفات الإقليمية، لا سيما خلافه مع المملكة العربية السعودية نتيجة دعمه لقطر، واستغلاله لحادثة مقتل خاشقجي في السفارة السعودية".  

واعتبرت المصادر أنه "من السابق لأوانه اعتبار نتائج الانتخابات المحلية بأنها بداية النهاية لأردوغان؟ خاصة وان النتائج العامة على مستوى تركيا بينت تفوق تحالف أردوغان على المعارضة بنسبة 51.7%"، مشيرة الى احتمال تأثير تلك النتائج على الانتخابات الوطنية عام 2023. اذا ما استمر الوضع الاقتصادي على حاله من الركود والتضخم، منوهة بقدرة أردوغان تأليب الرأي العام التركي لصالحه وهذا ما مكنه من  الفوز مرارًا وتكرارًا، خاصة وأن الناخب التركي في المناطق الريفية لا زال يشكل قوة الدعم الأساسي لحزب العدالة والتنمية، وهذه القوة تشكل نسبة 44? من عديد الكتل الناخبة".

ولكن ما يقلق أردوغان في ظل جمود الحالة الاقتصادية، ابتعاد  كبار الاقتصاديين من حوله، وخروج رفيق دربه عبد الله غول وأحمد داوود أوغلوا الى صفوف الوسط وتأسيس حزب جديد، في الوقت الذي بدأت نتائج السياسات الاقتصادية غير المدروسة التي اتخذها أردوغان لمنع ارتفاع أسعار الفائدة، وزيادة الإنفاق على البنية التحتية، وتجاهل ارتفاع مستويات الديون، أوصلت تركيا إلى  حالة الركود الاقتصادي، وإلى تفاقم أسعار العملة والتضخم والبطالة، وإلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية.