Advertise here

البابا فرنسيس اختصر سبب الأزمة... ماذا في كواليس الحراك الدولي حول لبنان؟

09 تموز 2021 17:05:29

كشف كلام رئيس حاضرة الفاتيكان البابا فرنسيس أسباب الأزمة اللبنانية على حقيقتها، عندما قال أمام اجتماع لعشرة من رؤساء الكنائس الشرقية واللبنانية في روما: كفى استخدام لبنان لمصالح خارجية ولمنافع شخصية، ولبلد الرسالة حق البقاء بسلام واستقرار، ولشعبه حق العيش بكرامة وبحبوحة.
 
في كواليس دوائر دولة الفاتيكان، حديث عن قناعة البابا فرنسيس أن لبنان ضحية استثمار سياسي خارجي، وتمَّ توظيفه لخدمة طموحات محورية ودولية، كما أنه حُمِّل أكثر مما يستطيع بسبب الأزمة السورية المستمرة منذ عشر سنوات، ووظِفت مقدرات لبنان السياسية والمالية والأمنية لخدمة ترسيخ المقاربة التي يتبناها محور الممانعة، وكان ذلك جلياً من خلال توفير مقومات الصمود للحكومة السورية وتأمين المواد الأولية التي منعتها العقوبات الأميركية والغربية من الوصول الى سوريا، كما أن المقاتلين الذين ذهبوا من لبنان الى سوريا لمساندة الحكومة، كان لهم الدور الأساسي في منع سقوط النظام، لا سيما بعد العام 2014، ولم يتم تقديم أي مساعدة اقتصادية للبنان مقابل هذا الدور على الإطلاق، بل على العكس؛ فقد بدأت المصائب ترتد عليه أكثر فأكثر من جراء ذلك، رغم أن الذين سخَّروا لبنان لخدمة مشروعهم، كان في إمكانهم مساعدته ببعض النواحي، كتسهيل مرور صادراته الى العراق ودول الجوار على سبيل المثال، بينما تدفع الشاحنات اللبنانية رسوماً وغرامات وتأمينات مضاعفة مقابل هذا المرور.
 
وفي أروقة الفاتيكان كلام واضح عن استثمار الدولة اللبنانية لتحقيق منافع شخصية من قبل "الجماعة الحاكمة" على ما يردد البطريرك الماروني بشارة الراعي، وفي ذلك إشارة واضحة الى التسوية التي حصلت في عام 2016 وأوصلت العماد ميشال عون إلى سدَّة الرئاسة، وحكم فريقه من طريق تبادل خدمات النفوذ الداخلية مع فريق "حزب الله" الذي له همومه المحورية الإقليمية الواضحة. وفي خطاب البابا فرنسيس وردت عبارة صريحة تتناول هذه المسألة، برغم أن قداسته يتجنَّب في العادة الدخول في تفاصيل ما يجري في أي بلد، وهو يتحدث بالعناوين العامة فقط.
 
الفاتيكان أطلق بعد اجتماع روما المخصص للبنان ماكينته الدبلوماسية لمساندة البلد الغريق، وفريقه سيتواصل مع كل القادرين على المساعدة في أي مكان في العالم، وهو حفَّز الاهتمام عند الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا والمملكة العربية السعودية تجاه وضع لبنان، بعد مرحلة من اللامبالاة به، وبعض الدول الكبرى المؤثرة لم تكُن على وضعية واضحة في تعاملها مع لبنان في السنوات الأخيرة، فمنها مَن أكتفت بالإدانة الكلامية لما يجري، ومنها لديها مصالح مع دول إقليمية كانت تراعيها على حساب لبنان، ومنها دول تعاونت مع فئات محلية تحت شعارات "تغييرية وثورية" مختلفة وأغدقت عليها المساعدات، ولكن النتيجة كانت مزيداً من الفوضى والإنهيار. وبالفعل فقد تُرك لبنان مكشوفاً من دون أي غطاء او حماية عربية أو دولية، وكانت هذه الوضعية فرصة مناسبة للقوى التي تستثمر بالفوضى لتحقيق مصالحها، كما استغلتها فئة المنتفعين لتوسيع حجم انتفاعها، من دون مراعاة لخصوصيات لبنان الذي لا يستطيع العيش إلا مع الحرية والإنفتاح على محيطه العربي وعلى العالم.
 
بشائر تغيير المقاربات الدولية تجاه لبنان كانت من خلال التحرك الأميركي والفرنسي الأخير، والإيعاز لسفيرتيهما في بيروت زيارة الرياض للتباحث مع مسؤولي المملكة بخطة تساعد لبنان على تفادي الإندثار، بعد غياب لافت عن الساحة، ولكن الخشية قائمة من أخطاء قد ترتكبها الأدارة الأميركية الجديدة، من طريق تبني دعم جمعيات موازية للمؤسسات الإنسانية والحكومية فتضعفها أكثر، وتعطي فرصة وتبرير للقوى المناهضة في محور الممانعة كي تتصرف مثلها بهذه الطريقة التي تساهم في زيادة الفوضى. أما روسيا، فقد أدركت مؤخراً أن إنهيار لبنان المالي والاقتصادي قد ينعكس إختناقاً إضافياً على سوريا، وهي أرسلت وفداً اقتصادياً رفيعاً لاستطلاع ما يمكن عمله لتحاشي الدخول في الانهيار، مع إمكان إعادة تحصيل أموال لمعارضين سوريين مودعة في البنوك اللبنانية، وتطاولها قرارات مصادرة من الحكومة السورية، لاستيفاء بعض من ديونها المستحقة على دمشق، او للاستثمار في هذه الأموال بمشاريع نفطية او صناعية في لبنان.
 
رغم معرفة كامل أسباب الأزمة وتداعياتها، يبقى السبيل الوحيد للبدء لإنقاذ الوضع، هو تأليف حكومة قادرة على اتخاذ إجراءات اقتصادية ومالية حازمة، والتعاون مع الهيئات الدولية القادرة على المساعدة. أما التمادي في تجاهل هذه الحقيقة، او تعقيد مهمة التأليف فجريمة سياسية بحق لبنان.
 
والذين يعتقدون أن الفراغ والفوضى يمكن أن يشكلا مدخلاً لإجراء تعديلات دستورية تناسبهم، واهمون، وكمن يصطاد السمك في بحرٍ هائج، يضيِّع الشباك بينما الأسماك تكون قد ابتعدت من الشواطئ وهربت الى أعالي البحار البعيدة.
 
*استاذ في العلوم السياسية والقانون الدولي العام