يعيش لبنان في أزمة اقتصادية ومعيشية هي الأصعب، ربما، في تاريخه الحديث، والتي أوصلت البلاد لشفير الإفلاس في غالبية القطاعات. وذلك في ظل انسداد الأفق، وعدم وجود قرار سياسي حقيقي للخروج من هذا المأزق، نتيجة اختلاف المصالح بين أرباب السلطة.
أمام هذا الواقع يُطرح خيار "التوجّه شرقاً" كحلٍ يساعد لبنان على التخفيف من أزمته. وتفادياً لأي نقاشٍ سفسطائي حول ضرورة أن يكون هذا الخيار مصحوباً بقرار سياسي، لا بد لنا أن لا نسجن أنفسنا في المصطلح، فليس هناك شيء اسمه التوجّه شرقاً أو غرباً. فنحن هنا لسنا بوارد البحث عن منظومة تسليح، وهي عادة ما تنطلق من خلفيات سياسية بعيدة، وأحياناً تقنية. أما في المسائل الاستثمارية فإن المنطلق يتحدّد وفق اعتبارات الحاجة على أساس الكلفة والمردود أو غيرهما. ولا أدلّ على ذلك أكثر من العلاقات التجارية التي تربط الغرب بالصين، وبشكلٍ أخص الولايات المتحدة الأميركية بالذات. وهي على الرغم من تراجعها في عهد ترامب إلّا أنّها بلغت في حصيلتها في عام 2019 ما يزيد عن 15 مليار دولار، وهي أقل نسبة سجّلتها قياساً بالسنوات السابقة، وتجدر الإشارة إلى أن الصين تستثمر في سندات الخزينة الأميركية رقما فلكياً يبلغ 1058.4 مليار دولار!! بل وبالرغم من التجاذبات الشديدة بين روسيا والولايات المتحدة، فإن حجم الاستثمارات الأميركية في اقتصاد موسكو على حد تعبير موقع "روسيا اليوم" بلغ 2.7 مليار دولار، وهذا غيض من فيض.
إنّه لمن العبث السياسي أن تكون الخيارات الاقتصادية في بلدٍ كلبنان معقودة على استقطابات سياسية، أو تنطوي على الترويج لهذا المحور أو ذاك. ومن هنا لا بد أن نضع رؤيتنا في مد الجسور الاقتصادية مع هنا أو هناك في منزلةٍ بين منزلتين، أي بين عدم تجاوز اعتبارات أو حساسيات الصراعات القائمة في الإقليم وبين مصلحة لبنان، بل والمُلحّ من حاجاته للعيش بالحد الأدنى مثل الكهرباء وإعادة الحياة لمرفأ بيروت. وهنا من المؤكّد أنّ استثماراتٍ روسية، أو صينية، أو هندية، أو برازيلية، في لبنان مسألة لا تتسبب في "انهيار المعبد"، فيما هو يتداعى، حتى لا نقول أنّه على وشك السقوط، ولم يعد هناك ما نخسره.
إننا بحاجة إلى رجال دولة يملكون الشجاعة، أو كما يقال بالدارج "ركبهم ثابتة"! وهكذا نجد أنفسنا نعود إلى المربع الأول، حيث الخواء السياسي، وحيث اللّا- شيء في وطنٍ يتداعى.
اللّهمّ احفظ لبنان.