هذا الشهر ايضاَ، تستمر المأساة في لبنان، اللبنانيون في اسوأ احوالهم: لا دواء، لا قدرة على الاستشفاء، لا تغطية صحية من شركات التأمين والمؤسسات الضامنة، لا محروقات لوسائل المواصلات، لا انترنت لوسائل الاتصالات، لا مازوت ولا فيول للمولدات ولمصانع الكهرباء وبالتالي لا كهرباء، وعودة الى العتمة، لا طحين للخبز ولا مواد غذائية في المحلات التجارية، والسلسلة تطول. يضاف الى هذا المسلسل المرعب تفاقم البطالة وتلاشي قيمة المداخيل والمدخرات المالية مع الانهيار المتواصل لقيمة العملة اللبنانية، والاستمرار في التلاعب بأسعار الدولار في الاسواق السوداء.
وفي مقابل هذه المعاناة، وتباكي الناس بيأس على امل مفقود، ووعود طنانة بغد افضل وبوطن اقوى، وعهد منقذ يحقق الاصلاح والتغيير، يستمر ارباب السلطة الحاكمة في لعب دور "شاهد ماشفش حاجة" ويواصلون حروبهم العبثية كأبطال مسرحية طواحين الهواء، فيما الفساد يستشري والعجز عن المكافحة والمحاسبة يتزايد، والادعاء المتواصل بإلقاء المسؤوليات على مجهولين، مع انهم معروفون، ولكن محميون من اطراف السلطة، فلا احد في اجهزةالامن او القضاء له القدرة على توقيفهم او محاكمتهم على ما سببوه من ضرر بحق الوطن والمواطنين. ومع ذلك تستمر المنظمة الحاكمة في "لعبة الموت السريري" للبنان واللبنانيين، طمعاً بوزير بالزائد قد يستخدمونه في مأساة التعطيل المتمادي، او تحقيقاً لطموح سياسي او رئاسي مستقبلي، حتى ولو ادى ذلك الى سقوط هيكل الوطن فوق رؤوس الجميع، وانهيار الكيان على سراب اعتقاد البعض بإمكانية اعادة هيكلته على اسس جديدة تستجيب لمشاريع اقليمية محورية لا مصلحة للبنانيين فيها، لانها تقضي على السيادة لصالح التبعية، وتفقد لبنان ميزة التعددية والرسالة.
كل هذا يقودنا الى طرح سؤال بسيط، كان المعلم كمال جنبلاط طرحه على المسؤولين في 13 آذار 1953، ونحن نعيد طرحه اليوم لتشابه الظروف في المبدأوجاء فيه: اذا استمر الحال على ما هو عليه من مكافأة المرتشي والمهرّب وحمايته، وتطويب السارق شهيداً، وتغطية القاضي الملوث، وانتهاج سياسة المسايرة مع هذا الطرف نكاية بأطراف اخرى، افلا يؤدي ذلك الى جعل الادارة والقضاء تغوص اكثر فأكثر في بؤرة الرشوة والفساد والمحسوبية والزبائنية ؟ وفي مثل هذا الوضع كيف للعهد ان يستمر وللناس ان تعيش؟
ايها المسؤولون، لا يستطيع المسؤول التهرب من تحمل مسؤولية مركزه والتنكر لواجباته وتعهداته ووعوده، والادعاء بأن سواه هم المسوؤلون. البيت يحترق، والناس تختنق، والتفرج على الحريق والاحجام عن المسارعة لاطفائه، يحوّل المسؤول الى شبيه نيرون المتفرج المتباكي على روما التي تركها تحترق ولم يفعل شيئاً سوى البكاء.
المطلوب ثورة من فوق يمكن الامساك بمساراتها وتوجيهها نحو الاصلاح والتطوير، حتى لا نتفاجا بثورة من تحت لا قدرة للمسؤولين على الامساك بمساراتها ، ولا ندري الى اي منعطف ستقود البلد والعباد.
ايها المسؤولون، المطلوب بكل صدق ومحبة منكم ، الانتصار على الذات والاهواء والمصالح والمكاسب الشخصية او الحزبية او الفئوية او المذهبية او المحورية والالتقاء جميعاً في مفهوم موحد للوطن اللبناني وللشخصية اللبنانية المرتبطة ارتباطاً وثيقاً جغرافياً وتاريخياً فاعلاً بالوطنية العربية وبالقضايا العربية. المطلوب فعلاً لا قولًا بناء الدولة في لبنان كياناً سيداً مستقلا، رسالته احترام التعددية والتقريب بين المكونات المجتمعية، وعدم الانحياز الى اية محاور تفقده لعب دور لبنان الرسالة. المطلوب الغاء الطائفية السياسية واقامة الدولة المدنية العلمانية التي تعتمد اللامركزية الادارية الموسعة لان هذا هو الشرط الاساسي لبقاء الكيان وضمان وحدة اللبنانيين وتأمين مستقبل افضل لأولادهم.