Advertise here

لبنان مبنى متصدّع الأساسات

04 تموز 2021 19:05:00 - آخر تحديث: 04 تموز 2021 21:54:11

بعد أن خطف انفجار 4 آب أرواح مئتي وخمسة عشر من الأشخاص الأبرياء، لبنانيّين وأجانب، شباباً وأطفالاً، سيّدات ورجالاً فاعلين أجل نهضة المجتمع، وطال أكثر من ستّة آلاف شخصٍ بجروح متفاوتة، لم يبقَ لذويهم بعد بضعة أيّام سوى الوقوف على الأطلال ولملمة الجراح ومحاولة التّعافيّ من آلام فجعة الموت أو لوعة الإعاقات الجسديّة. كان منهم مَن ترك بيته سواءً المُتضرّر بشكل خطير والآيل للسّقوط، أو الذي اقتصرت أضراره في معظم الحالات على خلع النّوافذ والأبواب وسقوط الزّجاج والأسقف المستعارة والخزائن، فافترشت أرضيّة المنازل وغطّت أثاثها وتجهيزاتها الكهربائيّة وحطّمت ومزّقت كلّ تفاصيلها. أسابيع وربّما شهور احتاجها هؤلاء لامتصاص الصّدمة التي خفّف من وطأتها شهامة ومباشرة المجتمع المدنيّ بجمع الرّكام وكنس الشّوارع أمام المارّة، هذا المجتمع الذي حلّ مكان الدّولة حيث اقتصرت ردّة فعلها على التّنصّل من مسؤوليّة الحادث وكأنّ الجنّ الأزرق هو مَن كان يشرف على إدارة المرفأ، وانحسرت مهامّها في متابعة اقتناص الفرص ونهب أموال هذا المجتمع الكادح، وذلك بكلّ وقاحة، وكالحيتان التي لم تعرفها المحيطات من كثرة نهمتها على القضم والبلع. وكما الكلّ رأى، اندفع المجتمع المدنيّ أيضاً في مساعدة المنكوبين على إزالة الحطام من داخل بيوتهم، وتأمين مساكن مؤقّتة لهم ريثما يستعيدون بعض قواهم وقدرتهم على التّفكير واتّخاذ القرار الذي يناسب وضعهم الجديد وفق ظروف كلٍّ منهم. تبع ذلك قدوم الرّئيس الفرنسيّ إيمانويل ماكرون ونزوله شخصيّاً إلى الشّوارع ليستقبله الشّعب بكل لهفة لاعتقاده أنّه المُنقذ المُنتظرالذي سيحلّ الأزمة. بعد تتالي هذه الأحداث، كان من الطّبيعيّ أن يتحمّس المنكوبون ويقرّرون العودة إلى السّكن في بيوتهم، وخاصّة الذين رؤوا أنّها لم تتهدّم كغيرها وذلك لعدّة عوامل أبرزها مقاس بعدها عن الانفجار أو نسبة متانتها الانشائيّة. أمّا الأضرار التي ذكرناها في الأعلى من  تحطّم زجاج وديكور، فإنّها باعتقاد المنكوبين لم تمنعهم بعد إصلاحها وتبديلها، وبالتّالي للعيش فيها والعودة لنظام حياتهم السّابق وممارسة أشغالهم المتواجدة في أماكن قريبة من سكنهم، وكذلك من عودة الأولاد إلى مدارسهم التي اعتادوها وأحبّوها، هذا ناهيك عن الإصرار على العودة بفعل التّمسّك بتاريخ عائلتهم وإعادة لمّ الشّمل ولو كان منقوصاً وتعتريه غصّة. إنّما المكان سيعوّض قليلاً من هذا النّقص ويداوي الغصّة ويجعلهم يشعرون بقرب أطياف شهدائهم. يتخيّلون حركاتهم في أرجاء المنزل، يسمعون ضمن عالمهم الخاصّ ما كانوا يردّد الغوالي من كلام أو يعلون من ضحكات أو حتّى صراخ وغضب.

للأسف لم يتحقّق الهدف، وكانت الصّدمة الثّانية التي تلقّاها أولئك المساكين أنّ بيوتهم وإن بانت سليمة ونظيفة بعد إزالة كلّ شيء منها، إنّما أخبرهم مَن حولهم من العارفين عن تأثير شدّة الانفجار التي ساوت "طاقة زلزالية تعادل 4.5 درجة على مقياس ريختر"، وعادلت قوّته قوة "قنبلة نووية تكتيكية"، وفق وسيم جابر، الباحث في فيزياء وتكنولوجيا النانو بالمعهد العالي للفيزياء في فرنسا. إذ "أنّ الضغط السلبي Negative pressure، خلّف قوة انفجار نووية مصغرة تُقدر بـ 1.2 تيرا جول، وقدرة ضغط 210 MPa في المتر المربع". إنّ عصف الموجة الانفجارية، وفق جابر، "سبّبت أضراراً فادحة على مسافة 3 كلم من مكان الانفجار، ووصل مداه الى 24 كلم"، وقد "تلقَّى قلب العاصمة 40 في المئة من قوة العصف الانفجاري، أما باتجاه غرب بيروت والمطار فقد خفّفت صوامع القمح من حدته، في حين ذهب 50 في المئة من قوته باتجاه البحر". هذا التّوصيف الدّقيق يجعل كلّ عاقل حتّى لو لم يكن مهندساً أو خبير زلازل، يطلب تقييماً لحالة المبنى الذي كان يسكنه قبل أن يدفع المال على إعادة التّشطيب الذي سيذهب سدىً في حال سقط المبنى، والأهمّ أنّه يكون يعرّض نفسه للسّيناريو الأخطر وهو الاستشهاد من جرّاء تداعيات الانفجار غير المباشرة. لذا اكتشف العديد من السّكّان أنّ الانفجار أدّى إلى خلل في الأساسات التي تتطلّب الكشف عليها من قبل خبراء من أجل إعادة تدعيم العناصر الإنشائيّة للمباني، وهذا بالطّبع عمل دقيق ويستدعي جهوداً حثيثة من مختصّين في هذا المجال، يحملون على عاتقهم عبء توصيف الخلل الهيكليّ وتحديد موقعه ومعالجته، ومن ثمّ يكفلون سلامة مَن سيقطنون المباني، ويتحمّلون مسؤوليّة أيّ خطر مستجدّ على حياة مَن تبقّى من سكّان المنازل بعد أن أودى انفجار 4 آب بأرواح الأعزّاء والأهل ولن يعودوا أبداً. وهنا لا بدّ من الإشارة للجهود التي قامت بها نقابة المهندسين مشكورة والتي ركّزت على مسح جميع المباني والأحياء المتضرّرة ونسبة تضرّرها، لا سيّما المباني التّراثيّة التي يُعتبر تهدّمها خسارة كبيرة على صعيد الثّروة الوطنيّة والهويّة العمرانيّة والاجتماعيّة. وقدّمت النّقابة رؤيا عريضة وتفصيليّة من أجل إعادة الإعمار، كان آخرها من خلال مؤتمر "إعلان بيروت العمراني"، ولكنّ كلّ هذه الجهود هي رهن التّمويل أوّلاً ورهن انتظار وقف الانفجارات السّياسيّة والاقتصاديّة التي تدوّي في سماء لبنان واللّبنانيّين قبل وبعد انفجار 4 آب.

بالطّبع ليس كلّ الأهالي تنبّهوا أو قاموا بالكشف على مدى استمراريّة صلاحيّة السّكن في منازلهم المتضرّرة، وربّما هناك مَن عادوا وسكنوا البيوت رغم عدم صلاحيّتها للسّكن وتحت تهديد سقوطها، إنّما تغاضوا عن الأمر أو لم يلحظوا تصدّعاً مرئيّاً للعيان، واختاروا الطّريق الأقصر للعودة. على الصّعيد الشّخصيّ، كان لي نصيب من تداعيات انفجار المرفأ، اقتصر على تلف مقتنياتي الخاصّة كوني كنت ممّن سكن في الأشرفيّة حديثاً، في إحدى الشّقق المفروشة. بعد الانفجار مباشرةً تركت مكان إقامتي وانتقلت إلى مكان آخر لأواجه نظام حياة جديد، ربّما كان صادماً أكثر من انفجار المرفأ، لأنّ التّوتّرات التي يعاني منها اللّبنانيّون جعلت بعضهم يتخلّى عن المبادئ الأخلاقيّة التي تجمع العائلة اللّبنانيّة، ويسارع ليستحوذ على كلّ ما تطاله يده وإن كان على حساب أمن وسلامة أخيه أو أمّه أو أبيه. لذا وبعد أن تركت مكان سكني في الأشرفيّة، المكان الملاذ والذي كنت أعتبره بيتي الآمن، شعرت ولا أزال، أنّني فقدت نظاماً راقياً كنت بدأت التّعوّد عليه، بعد أن لجأت إليه هرباً من أنظمة التّعسّف والذّلّ التي تخيّم بظلمتها على الكثير من مجتمعاتنا، وما أزال أشعر أنّني انسلخت عن بيئة أتمنّى العودة إليها بعد تعافيها وإعادة أجواء الآمان إلى أحيائها. ريثما يتحقّق ذلك، فأنا على تواصل مع ذويّ أصدقائي الذين قضوا في انفجار 4 آب، وبالطّبع ليس بمقدوري تعويضهم عن غياب أحبابهم، إلّا بما تحملها الكلمة الطّيّبة والتّعاطف الصّادق والاحساس العميق والاستماع لما يواجهون من تبعات الانفجار. وما يهمّني ذكره هنا، وتعقيباً على ما تناولته في الأعلى عن عدم جدوى إصلاح ديكور المنزل في حال أصيبت أساساته بالخلل، هو ما عبّرت لي إحداهنّ عن رغبتها القويّة بالعودة إلى الشّقّة التي كانت تسكنها مع عائلتها والتي هي ملك زوجها الشّهيد في إحدى بنايات الأشرفيّة من ذي الطراز التّراثي الحديث، أي ربّما تعود إلى السّتّينات. كانت تعتقد تلك السّيّدة أنّه بإمكانها وعبر حماسها وسعيها إصلاح الشّقّة وإعادة تجهيزها كما كانت عليه في زمن زوجها. إنّما تمّ لفت انتباهها أنّ المبنى ككلّ مصدّع ولا يجدي معه تصليح ديكور وتركيب قطع وألواح زجاج وخشب وألمنيوم جديد إلى ما هنالك من أعمال التّشطيب ومن ثمّ شراء أثاث جديد. بل أنّ حالة المبنى تستدعي إعادة نظر في الأساسات والأعمدة وفي هيكليّة المبنى بشكل عامّ.

عندها كانت خيبة هذه السّيّدة محزنة، إذ أنّ كلّ هذ الأعمال التي أخبروها عنها كان ليقوم بها زوجها الشّهيد كونه كان مهندساً لامعاً ولديه كلّ المؤهّلات لتأمين الدّعم الانشائيّ والإداريّ، لكنّ بطلها هذا استشهد ولم يعد لديها حلّ غير الصّبر والجهاد والسّعي للتّكاتف مع جميع سكّان البناية في الطّوابق المختلفة من أجل تأمين الحلول وتغطية التّكاليف. لغاية آخر اتّصال لي مع هذه السّيّدة، كانت لا تزال تعيش خارج بيتها مع أولادها الصّغار كي تؤمّن سلامتهم وهي برأيي اتّخذت القرار الصّحيح الذي يكفل عودةً آمنة إلى بيتها.

كلّ هذه القصّة استُحضرت في ذاكرتي بالأمس عندما رأيت نوّابنا المسؤولين ليس عن حياة ولدين صغار فقط، إنّما عن حياة شعبٍ برمّته، يتّخذون قرارت أقلّ ما يُقال عنها أنّها استفزازيّة وعشوائيّة وبلا هدف ومن دون خارطة طريق. عندما كنت أقرأ مشاريع القوانين التي  نوقِشت وصُدّقت في قاعة قصر الأونيسكو، مع العلم أنّ خبرتي بالسّياسة قليلة، كدت أضحك لولا كمّ اليأس والحزن الذي يعتري نفوسنا. هؤلاء النّوّاب يتصرّفون كما تصرّف سكّان البناية التي عادوا إليها رغم تصدّع أساساتها. قاموا ببعض التّنميق retouche وقعدوا على قنبلة موقوتة. فأقرّوا البطاقة التّمويليّة، ونسوا أنّ أساس البطاقة هشّ. فنحن لم نعد نثق بحسن سير عمليّة توزيع البطاقة، ومتأكّدون أنّها ستُستغلّ في أغراض تنفيعيّة ولإعادة شدّ العصب، ناهيك عن أنّ تمويلها ما هو إلّا متابعة لسرقة أموال المودعين أو على حساب ديون جديدة على كاهل المواطن اللّبنانيّ وليس على كاهل السّياسيّين. فما أوقح هؤلاء يسرقوننا ويظلّلوننا ثمّ يشحّذوننا لقمة العيش. وهنا أستحضر بضعة مشاهد من فيلم أو مسلسل سوريّ قديم، يقوم فيه طفلٌ محتال بسرقة علبة السّكاكر التي يبيع منها طفلٌ آخر بريء وفقير، لنعود ونرى هذا الطّفل المحتال في المشهد الثّاني يقول للطّفل الضّعيف والفقير: "اشْتِري منّي وْلا طُشِح.. بْراعيك". حتّى لو سرنا معهم في هذه البطاقة، فهل هي الحلّ لأزمة اللّبنانيّين؟ أم هي مجرّد نفخٌ على حرق درجة رابعة ويحتاج التوجه لقسم الطوارئ فورا لتلقى العلاج الطبّي؟

عندما انتقلت لقراءة مشاريع القوانين الأخرى، قلت حسناً فلا مانع من تناولها إذ أنّ عدم إقرارها يؤخّر أيّ محاسبة للفاسدين ومنها ما يحسّن نوعاً ما وضع المعلّمين المتقاعدين والممرّضين والأطبّاء البيطريّين وإلى ما هنالك من قوانين أضحينا لا نقدر أن نجزم بحسن نيّة طرحها في الوقت الحالي أو بسوء نيّة هذا الطّرح، كونه يمرّر قوانين كثيرة لا ندري لماذا تأخّر إقرارها حتّى اليوم، ولعلّ مناقشتها اليوم هو تغطية لتمرير قوانين أخرى لا يسع المواطن العاديّ أن يكتشف إلى أين تؤدّي دهاليزها، حتّى الأشخاص الضّالعين بالسّياسة في لبنان، نراهم في حيرة وليس واثقون من أنفسهم ونراهم يطالبون بأخذ المزيد من الوقت ليتسنّى لهم البحث والتّصويت بشكل يخدم المواطن ولا يؤذيه.

أمّا ما أعتقد أنّه لم يكن في أوانه وكالذي يرمّم ديكور الشّقّة السّكنيّة وهي مهدّدة بالسّقوط في حال لم يرمّم ويدعّم الهيكل الانشائيّ التي هي منشأة ضمنه، هي مشاريع القوانين تلك، كالإتفاقية بين لبنان والبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتّنمية. فعلى أيّ أساس سنبرم هذه الاتّفاقيّة؟ هل من جواب واضح وصريح؟ أمّا ذلك القرار الذي يجعلنا نفكّر أنّنا مصابون بالفصام وهو الإجازة للحكومة الإنضمام إلى إتفاقية إمتيازات وحصانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية!!!! واعجباه!!!!.. تحلم الدّولة اللّبنانيّة بأن يكون لديها دور بأعمال الرّقابة والتّفتيش والتحقيق في الدّول التي لديها منشآت نووية. نذكّر المجلس أنّنا لا نملك رقابة على حدود لا يتجاوز طولها بضع كيلومترات، ولا نملك رقابة بل سماح لكلّ أنواع الفساد على مساحة 10452 كلم مربّعاً، ونحن فشلنا في رقابة طاقة كهربائيّة وليس ذريّة، ونقبع نحن وأنتم بالعتمة، وإنّ جلستكم التي تقرّون فيها موضوعاً متعلّقاً بالطّاقة الذرية، تُعقد ضمن قاعة معطّلة المكيّفات، فتفوح منكم رائحة الرّطوبة عدا عن رائحة فسادكم. أمّا إبرام إتفاق التعاون العسكريّ بين الجمهورية اللبنانية و جمهورية أرمينيا. فحبّذا لو ندري أين سنستخدم هذا التّعاون؟ هل نحن في حرب عسكريّة اليوم؟ وعلى أيّ جبهة يقف الجيش اللّبنانيّ؟!  ثمّ يأتي مشروع الإنضمام إلى إتفاقية إنشاء البنك الآسيوي للإستثمار في البنى التحتية. هل نحن في صدد تأهيل البنية التّحتيّة؟ هل لدينا أنفاق لم نحفرها بعد ولم تسمسروا بحجّتها؟ هل قلّة الأنفاق هي سبب أزمة لبنان الاقتصاديّة؟ أم إنشاؤها من جيوبنا كان هو السّبب؟. ألا ترون كيف أنّ أنفاق بيروت كلّها مظلمة بفعل جودة التّغذية بكهرباء لبنان؟ هل تستشعرون خطر حوادث السّير التي ستنجم عن هذه الظّلمة التّامّة داخل الأنفاق؟ أمّا إبرام إتفاقية التعاون الإقتصاديّ والفنّيّ بين حكومة جمهورية الصّين الشّعبية وحكومة الجمهوريّة اللبنانيّة، فهذه الاتّفاقيّة الوحيدة التي ممكن أن يكون لديها معنى، خصوصاً وأنّ دول القرار تدفع بنا نحو التّوجّه شرقاً. مع التّحفّظ، لكن نحن راضون بالصّين وروسيا بأن تزيحكم عن أكتافنا يا أيّها النّواب المحترمين. نحتاج لاستعادة كرامتنا كمواطنين وبشر.

أظنّ أنّ هناك جلسة أخرى ستُعقد اليوم ولكن لم يتسنّ لي قراءة مشاريع قوانينها التي أنا واثقة وفق ما سأراه في أحلامي اللّيلة أنّها ستبدأ من تدعيم أساسات دولتنا، من إقفال نوافذ التّهريب والهدر والفساد والتّجييش الطّائفيّ، من إرشاد الدّعم ومن إعلان حالة طوارئ بما يخصّ إعادة أموال المودعين دون الكذب عليهم وخدعتهم بـ400 دولار و400 باللّيرة اللّبنانيّة، نصفها كاش ونصفها يوضع في حسابهم باللّبنانيّ، ويجبرون المودع على التّوقيع والموافقة على جميع الشّروط والحِيل التي تمرّق بالاتّفاقيّات، تماماً كما يمرّرون العشرات من مشاريع القوانين ويصدقون عليها بالنّيابة عنّا، بفعل أنّهم يمثلون أصواتنا، ونحن يا غافل إلك ألله.

في الحقيقة وكما كانت نترات الأمّونيوم تعد المرفأ بانفجار 4 آب، فإن ّقراراتكم وإمعانكم بالتّستّر على نيترات التّآمر على لبنان، يعدكم بانفجار أقوى من انفجار 4 آب، وأنا بصفتي مستقلّة عن الجميع، أقول للنّوّاب بمعظمهم، عندما تنفقد الثّقة، لا شيء يعيدها. لقد فقدت ثقتي بكلّ كلمة تكتبونها أو تقولونها. لذا فالأفضل أن تعيدوا لنا أموالنا شقاء عمرنا، وافعلوا المستحيل وخلال مهلة شهر لا أكثر، ولا تعنينا الوسائل التي ستستعملونها. أنا متأكّدة أنّ الحلّ ليس بسحر وليس بمعجزة. فقط يتطلّب حسن نيّة منكم ومحاولة للتّكفير عن خطاياكم تجاهنا. الأمر يتطلّب قلّةٌ من النّوّاب والوزراء والقضاة وإلى جانبهم قائد الجيش. فليتخلّوا عن أيّ حلم بات مستحيلاً في ظلّ نقمة الشّعب والمجتمع الدّوليّ على دولتهم، وليربطوا الأحزمة وينطلقوا مسرعين في إصلاح هذا الوطن بدءاً من أعمق أساساته الاجتماعيّة والعلميّة حتّى أعلى قممه الاستراتيجيّة الواعدة. دعونا نرى اللّحمة والتّآخي بين اللّبنانيّين، دعونا نرى الانتماء الفعليّ للوطن لبنان، دعونا نراكم تتركون الدّين لله، والوطن للجميع، دعوا الكفاءات تصل والكاذبين تتراجع، اجعلوا الزّراعة والصّناعة من القطاعات التي يعتمد عليها اقتصادنا، وليس القطاع المصرفيّ المنتفخ، اتركوا بيوتنا مطمئنّة، وسيّاراتنا تستقبلها محطّات البنزين باحترام، وكفّوا جميعكم عن وعظنا وإرشادنا كالأطفال، وعن نصحنا وتوعيتنا كالمراهقين. نحن أوعى منكم ولسنا بمتطلّبين مثلكم ولم نكن ننام على حرير كعوائلكم. نحن نعرف أن نزرع القمح، ونحيّك الثّياب. لكن نحن لدينا كرامة وإذا أردتمونا أن نستبدل السّيّارة بالحمار. فنقول لكم أنتم مَن عليكم ركوب الحمير، لأنّكم ربّما تحتاجون ركوبها لسرقة ما نزرعه في حقولنا، بعد أن تنفذ أمامكم كلّ طاقات السّرقة. أمّا نحن فإّننا لم نقضِ عشرات الأعوام من حياتنا في العلم كي ترجعونا إلى القرون الوسطى. وإن كان لا بدّ من الزّرع والفلاحة ورعاية البقر والماعز، فافعلوا ذلك أنتم وقدّموا لنا حاجاتنا. أنتم من سرق وليس نحن، أنتم من تنعّمتم بالمال المسروق والمطاعم الفخمة وفنادق السّبع نجوم والسّفر والسّياحة بحجّة مؤتمراتكم الدّوليّة الفاشلة وليس نحن. أنتم من استلم البلاد وخرّبها وليس نحن، أنتم مَن تآمرتم وتحالفتم مع مغتصبي بلادنا وليس نحن، أنتم حتّى اليوم تمسكون بلبنان كلّ من جهة وتشدّون بحباله شرقاً وغرباً، حتّى تقطّعت أوصال البلد ولم يعد هناك من بلد.اذهبوا إلى جهنّم وحدكم ونحن ستبقى الكلمة سلاحنا والتي سيكون وقعها عليكم وقع السّيف، والعلم رصيدنا الذي لن تستطيعوا أن تسلبوننا إيّاه وتجبروننا على العودة إلى الجهل وأيّام الجاهليّة. رحم الله مَن علّم جيلنا هذا حتّى لو اتّهمه البعض بالانتماء لفريق تغريق لبنان بالدّين، ولكن لبنان بفضله غرق أبنائه ببحور العلم والمعرفة وانخراطهم مع كبار العلماء في العالم، لن تستطيعوا يا هؤلاء محاربة أبناء هذا الجيل الواعي، لأنّه واعٍ لكلّ ما فعلتموه وتفعلونه به ولن يرحمكم. لذا فلديكم فرصة أخيرة لتصحيح أخطائكم والتّكفير عن جرائمكم، وإلّا فلتتحمّلوا عواقب استمراركم في سرقتنا وعدم الاكتراث لمآسينا وإقرار مشاريع قوانين هي تماماً كتشطيب شقّة في مبنى في الأشرفيّة أساساته مصدّعة، علّكم تنظرون.. علّكم تعتبرون.

 
هذه الصفحة مخصّصة لنشر الآراء والمقالات الواردة إلى جريدة "الأنبـاء".