Advertise here

بعد قمة السبع... بكين وواشنطن أمام مرحلة تنافسية جديدة

03 تموز 2021 12:34:18 - آخر تحديث: 03 تموز 2021 12:34:47

اعتبر الرئيس الصيني، شي جين بينغ، أنّ النهضة التي تشهدها بلاده هي "مسيرة تاريخية لا رجعة فيها"، مشدّداً على أنّ زمن تعرُّض العملاق الآسيوي للتنمّر، "ولّى إلى غير رجعة". وقال في كلمته التي حمّلها العديد من الرسائل الضمنية والتهديدية للولايات المتحدة الأميركية التي تصف بلاده بالمنافس السياسي والاقتصادي لها في العالم، "إنّ الشعب الصيني لن يسمح أبداً لأي قوة أجنبية بالتسلّط عليه، أو قمعه، أو إخضاعه"، مهدداً أنّ كلّ مَن يجرؤ على القيام بذلك، "ستُسحق رأسه، وتخضّب بالدماء على سور الفولاذ العظيم الذي صنعه ما يربو على 1.4 مليار صيني". وأكّد أنّ بلاده سوف تعمل على تعزيز قوة جيشها لحماية سيادتها وأمنها وتنميتها، وصعودها إلى مستوى المعايير العالمية، وقال: "يجب أن نسرع في تحديث الدفاع الوطني والقوات المسلحة".

بينغ، الذي كان يتحدث بمناسبة الذكرى المئوية لتأسيس الحزب الشيوعي الصيني، والذي وصل إلى الحكم عام 1949، تحت قيادة الزعيم ماو تسي تونغ، شدّد على أنّ، "أي محاولة لفصل الحزب عن الشعب الصيني، أو لتحريض الشعب ضدّه مآلها الفشل". وقال: "أعضاء الحزب الذين يزيد عددهم على 95  مليوناً، والشعب الصيني الذي يزيد على 1.4 مليار نسمة، لن يسمحوا مطلقاً بمثل هذا السيناريو".

وعلى مدى ساعة تقريباً تحدّث الرئيس الصيني أمام الحشود الغفيرة المشارِكة في الاحتفال الذي أقيم  في ساحة تيان آن مين في قلب العاصمة بكين، وغاص خطابه في أعماق التاريخ مذكّراً مواطنيه بما شهدته بلادهم من حروب أفيون، واستعمارٍ غربي، وغزو ياباني، ليشيد بعدها بما حقّقه الحزب الشيوعي لهم من تحسينٍ في مستويات الحياة، واستعادة للفخر الوطني مؤكداً أنّ،  "الحزب الشيوعي الصيني والشعب الصيني يقولان للعالم رسمياً: الشعب الصيني نهض". وحمّل الرئيس خطابه أيضاً تعابيرَ قوية وعالية النبرة، والذي  وضعه المراقبون في سياق الرد المباشر على مواقف الرئيس الأميركي، جو بايدن، خلال اجتماع قمة الدول السبع التي انعقدت الأسبوع الفائت في جنوب غرب إنجلترا، والتي بحث قادتها في خطة تطوير البنية التحتية للدول النامية كردٍ موحّدٍ لمواجهة التحديات التي تفرضها الصين. وكان الرئيس بايدن، الذي تقدّم بالمبادرة، قد حثّ حلفاءه على اعتماد خطته كبديل عن مشروع الحزام والطريق الصيني، وليظهروا للعالم، "أنّ أغنى الديمقراطيات يمكن أن تقدّم بديلاً عن نفوذ الصين المتنامي". 

وأكّد بايدن بعد القمة أن صندوق البنى التحتية العالمي الذي أعلن عنه قادة الدول السبع سيكون، "أكثر إنصافاً بكثير" من خطة "الحزام والطريق" الصينية، داعياً بكين إلى احترام المعايير الدولية. ويُفترض أن تنافس خطة بايدن المشروع الصيني الذي تعتمده بكين لربط آسيا بأوروبا عبر أفريقيا والشرق الأوسط، لتحفيز استثماراتها التي قد تصل إلى أكثر من تريليون دولار بحلول عام 2027، وذلك في قطاع الموانئ والمطارات، وكذلك شبكات الطرق والسكك الحديدية والاتصالات السلكية واللّا- سلكية ومحطات توليد الطاقة، وهو ما يزيد من نفوذها وتمدّدها في الخارج، وهذا ما يقلق واشنطن ومجموعة الدول السبع.

وفيما حذّر الرئيس الصيني في وقت سابق من اندلاع حرب باردة جديدة في العالم إذا استمرّ بايدن في سياسة سلفه، دونالد ترامب، بدفع العالم نحو الانقسام والمواجهة مع الصين، سعى الرئيس الأميركي، جو بايدن، خلال جلسات عمل مجموعة السبع إلى رصّ صفوف حلفائه الذين تركّز جدول أعمال قمتهم على التعاون في مواجهة أزمة كورونا، ومعالجة أزمة المناخ والنفوذ الصيني، كما دعوا بكين إلى "الوفاء بالتزاماتها ومسؤولياتها، بما يتناسب مع دورها الاقتصادي العالمي". وجاء في بيان مجموعة السبع، "نحن متحدون في قلقنا من الممارسات التي تقوّض مثل تلك الأنظمة الاقتصادية الحرة والنزيهة، بما يشمل مجالات التجارة والاستثمار، وتمويل التنمية". وأوضح البيان، "سنعمل معاً لتعزيز مرونة الاقتصاد العالمي في مواجهة الممارسات والسياسات الاقتصادية التعسفية والقسرية".

في هذا السياق ترى المصادر أنّ الكلام الإيجابي الذي صدر عن المجموعة تجاه الصين هدفه تحديد العلاقة معها من موقع "ضبط التنافس والحد منه"، على عكس ما كان يريد الرئيس بايدن من تحويل مجموعة السبع إلى جبهة مواجهة مع الصين، حيث استدعى عبر الفيديو مشاركة الهند، وأستراليا، وجنوب أفريقيا، وكوريا الجنوبية، للقول بصوت مشترك إنّ مجموعة  الدول السبع (G7) إضافةً إلى الدول الأربعة الأخرى ترى أنّ، "التوازن الدولي يجب أن يسير وفق أولويات محدّدة تضعها واشنطن". لكن الموقف الفرنسي الذي أعلنه الرئيس إيمانويل ماكرون، قائلاً: إنّ مجموعة الدول السبع، "ليست نادياً مناهضاً للصين"، وأنّ الدول الصناعية السبع تمثّل "تجمع ديموقراطيات" تسعى إلى، "العمل مع الصين بشأن كافة القضايا العالمية" بمعزلٍ عن الخلافات، وهذا يمثّل رأي معظم الدول الأوروبية التي تربطها بالصين علاقات كبيرة ومتشابكة من جهة، ومتداخلة وثنائية من جهة أخرى، ما يعني أنّ الأمر ليس كما أراده الرئيس الأميركي الذي يحاول استعادة رسم حضوره الدولي في قيادة العالم من موقع التنافس مع الصين، والذي اقتضى برأي المصادر ضرورة اللقاء بالرئيس الروسي على هامش قمة السبع التي كانت موسكو عضواً فيها قبل طردها بعد سيطرتها على جزيرة القرم في آذار 2014. وقال ماكرون إنّه يعمل على  "إعادة ضبط علاقته بموسكو من خارج إطار مجموعة السبع، وبالتالي ضبط إيقاع الدور الروسي وفق الأجندة الأميركية.

في هذا السياق ترى مصادر متابعة لتحولات العلاقات الصينية- الأميركية، أنّ "حدة الكلام عن التنافسية الصينية لن تصل إلى حدود الحرب الباردة، لأنّ تشابك  الاقتصاد الصيني مع الاقتصاد الأميركي ومع الاقتصاد الأوروبي، لا يسمح بتجاوز الخطوط الحمر التي تؤذي الجميع". وهذا ما دفع الصين للرد عبر الناطق باسم سفارتها في لندن بكلامٍ دقيق ومدروس بالقول، "ولّت الأيام التي كانت مجموعة صغيرة من الدول تملي فيها القرارات العالمية"، وأنّه "ينبغي التعامل مع الشؤون العالمية من خلال التشاور بين جميع البلدان". هذا الرد يرتكز على وقائع التشابكات الاقتصادية الغربية مع الصين، لا سيّما الاقتصاد الأميركي، حيث كشفت بيانات رسمية صينية، عن أنّ، "الصين حققت فائضاً تجارياً وصل إلى 42.85 مليارَ دولار خلال شهر نيسان الماضي، وهو أكبر من فائض 28.1 مليار دولار الذي توقّعه استطلاع رويترز. كما نما الفائض التجاري للصين، وتحديداً مع الولايات المتحدة، والذي بلغ 28.11 مليار دولار في نيسان ارتفاعاً من 21.37 مليار دولار في آذار 2021. وفي الشهور الأربعة الأولى من 2021، بلغ فائض الصين التجاري مع الولايات المتحدة 100.68 مليار دولار".

لذلك ترى المصادر إننا، "سوف نشهد محاولة إعادة رصّ صفوف دولية خلف الموقف الأميركي من جهة، ومن جهة أخرى سوف نرى تسويات عميقة"، كما تستبعد المصادر الدخول في أي نوعٍ من أنواع الحروب التي قد تدمّر الاقتصاد العالمي، وهذا ما لا يريده أي من المتنافسين". لذلك فإنّ الاصطفاف الجديد من شأنه أن يُنتج مساومات جديدة ترضي الأطراف كافة. فالصين ليست في حالة ذعر مما يدور في سياسة بايدن، وهي تتصرّف بهدوء وتوازن مدروس في المجالات كافة وهذا ما بدا في خطاب الرئيس شي جين بينغ خلال افتتاحه احتفالات الذكرى المئوية للحزب الشيوعي الصيني.