Advertise here

التسوية هي الحل لوقف الانهيار

01 تموز 2021 12:06:25

في الظروف الراهنة التي يعاني فيها اللبنانيون من الانهيار في مختلف مرافق الحياة اليومية، وفي ظل الفشل المتراكم والعجز المتواصل عن ضمان استمرارية السلطات والمؤسسات، بسبب الاصرار على مواصلة محاولات الاقصاء والالغاء، يصبح طرح فكرة اللجوء الى تحقيق تسوية ما للخروج من المعاناة، ضرورياً في حيّز المكان والزمان. فهي تعني التخلي عن شخصانية المواقف والطموحات الفئوية والمذهبية والشخصية والتوجه للالتقاء مع الاخر بروح التعاون والقبول، والسعي المشترك لاعادة بناء هيكلة مؤسسات الدولة والعمل لوضع خطة انقاذية وطنية تكفل اخراج لبنان من ازماته الكيانية ، واللبنانيين من معاناتهم اليومية والوجودية.

ولابد في هذا السياق من تذكير اللبنانيين عامة والطبقة السياسية الحاكمة خاصة ، بأن لبنان في الاساس قام على التسويات. فكل الصراعات التي واجهته انتهت بتسويات رافقتها شعارات تبريرية مثل: "لا غالب ولا مغلوب " "والصلح سيد الاحكام" و "لبنان يستمر بجناحيه"... وللتذكير فقط نقول: ان تداعيات الحرب الاهلية (1975 - 1990) انتهت بتسويات ومصالحات وتعويضات ، وبوثيقة الوفاق الوطني (الطائف) التي اعادت هيكلة الدولة المشرذمة، واصبحت جزءاً من دستور الجمهورية اللبنانية. وللتذكير ايضاً نقول: ان الخروج عن مندرجات هذه التسوية، والخروج على الدستور، وعدم تنفيذ خطة نقل لبنان من جمهورية الطوائف السياسية الى دولة المواطنة المدنية هي ما اوصل البلاد الى ما تعانيه اليوم من مخاطر حياتية وكيانية ووجودية.

ان دعوتنا للتسوية تنطلق من رؤية مستقبلية للبنان، اطلقها المعلم كمال جنبلاط في 10 كانون الاول 1956، في محاضرة له في الندوة اللبنانية آنذاك بعنوان: "لبنان في واقعه ومرتجاه" وهي تقوم على ما يلي:

"في واقع المكان الجغرافي، وفي واقع الزمان التاريخي الحضاري، كان لبنان ولا يزال، بالرغم من التناقضات والتعاكسات والتنوعات التي يحتضنها، يشكل وحدة للعيش واحدة، وحدة للحياة المشتركة، وقد يكون في ذلك السر الذي يجعل التناقضات والمفارقات والتنوعات والاختلافات والازمات على انواعها تجد لها في النهاية حلاّ واقعياً منسجماً، وتسوية معقولة ومقبولة. فمهما اختلف اللبنانيون لابد لهم في النهاية ان يلتقوا ويتحاوروا ويتفقوا.

وفي الوقائع التاريخية، الكيان اللبناني، رغم العواصف التي تمرّ به ، يتأكد بعد كل عاصفة، ويثبت على الدوام في بصيرة اللبنانيين، فهم يدركون انهم ابناء هذه الوحدة الحياتية قبل ان يكونوا نصارى وسنة وشيعة ودروز وسواها من المذاهب.

ما ارتجيه للبنان ان يستمر اللبنانيون في الاقتناع ان لبنان في واقعه مجهّز ليكون بلد العقلانية، وبلد التسامح الديني الحقيقي، وقبول الاخر بانفتاح ومحبة ، واحترام التعددية والرغبة الصادقة في العيش معاً."

فكرة التسوية الحقيقية لا تنتجها الا العقول المتنوّرة المؤمنة بمبدأ قبول الاخر والرغبة في التحاور معه، وادراك ما يعتريه من مخاوف لتبديدها لانجاح فكرة العيش المشترك، وتحقيق السلم الاهلي. والتسوية التي ندعو لتحقيقها لا نريدها تنازلاً عن الاساسيات الوطنية والسيادية، ولا استسلاماً لاحتلال من عدو غاشم، او شقيق طامع، ولا قبولاً بهيمنة واحد اواكثر من الشركاء في الوطن على سائر مكونات هذا الوطن، بل تعالياً عن كل المغريات الشخصية والحزبية والمذهبية والمحورية. ينطلق منها الجميع للتلاقي والتحاور والتوافق على ما ينقذ المواطنين من معاناتهم، ويضخ الحياة السليمة من جديد في شرايين الوطن الذي نريده دولة المواطنة المدنية العلمانية التي تصون الحريات وتحقق العدالة والمساواة وتحترم التنوع والتعددية والامان للجميع.