Advertise here

كيف تنسحب إيران من سوريا؟؟

01 نيسان 2019 06:10:00 - آخر تحديث: 04 نيسان 2019 15:29:29

صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" نشرت خبراً يقول إن مسؤولاً اسرائيلياً رفيعاً كشف لها ان نتانياهو عرض على الرئيس الأميركي دونالد ترامب حين التقاه بداية الأسبوع الحالي خطة تقوم على: "إنسحاب إيران من سوريا، يليه اتفاق بين روسيا وأميركا واسرائيل لحل الأزمة السورية". وقال هذا المسؤول إن نتانياهو سبق أن عرض الخطة على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عندما التقاه منذ أسابيع قليلة في موسكو. ولم يفصح عن تفاصيلها.

الناطق الرسمي  باسم الكرملين بيسكوف نفى في تصريح له اليوم ذلك وقال: "الكرملين لا يعلم عن أي خطة لنتانياهو يجري الحديث عنها بشأن تسوية الوضع في سوريا". 

لماذا التسريب؟؟ ولماذا النفي؟؟ لا دخان بلا نار كما يقال. مسؤول أممي مكلف بمتابعة ملفات معينة بين دول المنطقة زار اسرائيل وانتقل منها الى عواصم عربية معنية بما يتابعه كشف لمسؤول شريك في المتابعة ان "المسؤولين الاسرائيليين بعثوا برسالة الى رئيس النظام السوري مع بداية العام الحالي مفادها أنهم لا يمانعون في بقائه على رأس السلطة في سوريا ومستعدون للعمل مع الدول الأساسية المعنية لتقديم الدعم له من خلال إقناع دول عربية بفتح سفاراتها في دمشق، وتمويل إعادة الإعمار، شرط سحب القوات الإيرانية من سوريا". وأضاف المسؤول الأممي: "إن الهدف الرئيسي المعلن لاسرائيل هو إيران وسحب قواتها من هناك . واقتراحها المذكور فيه تشجيع للعرب الذين يعيشون حالة عداء مع الجمهورية الإسلامية وهذا ما قرّبهم من اسرائيل".

هذه الفكرة ليست جديدة. سبق أن تناولت في كتابي "عولمة الفوضى" بتارخ 21 نيسان 2016 (ص 128- 129) حواراً دار بين مسؤولين عربي وأوروبي قال فيه الأخير للأول تعليقاً على الوضع في سوريا: "موقف نتانياهو واضح. ليس مهماً بالنسبة إليه إن بقي الأسد أو رحل. بالسلم أو بالحرب. هو يؤكد على أمرين: بقاء الجولان تحت سيطرة اسرائيل نهائياً، ومنع داعش وإيران وحزب الله من البقاء في سوريا". اليوم جددوا الطرح بعد التخلّص من "داعش" "كما يقولون"!! 

وبتاريخ 11/7/2018 كتبت في كتابي الأخير "الانهيار العربي" (ص 180)  وبالتزامن مع زيارتي مستشار الإمام الخامنئي الدكتور علي أكبر ولايتي، ورئيس حكومة الإرهاب الاسرائيلي بنيامين نتانياهو الى موسكو للقاء الرئيس بوتين. ما كشفته صحيفة "نيويوركر" ومفاده: "السعودية والإمارات واسرائيل قدمت لترامب اقتراحاً يقوم على معادلة تقضي بإلغاء العقوبات الأميركية المفروضة على روسيا، مقابل أن تعمل الأخيرة على سحب القوات الإيرانية من سوريا. والسؤال: هل يـــوافق الأســـد على ذلك؟؟ وإذا وافق فهل هو قادر على التنفيذ؟؟ لا سرّ بهذا المستوى في علاقات الدول ولعبة المصالح. روسيا لا تريد تغيير الأسد لكنها تعمل على إقناعه بالوصول الى اتفاق حول الدستور الجديد للبلاد لتكريس نوع من المشاركة السياسية في الحكم مع المعارضة وانسجاماً مع القرار الدولي 2254 وتعتبر نفسها الأقدر على إقناع النظام أو "المونة" عليه لأنها كانت الأقدر على حمايته وقد فعلت ذلك وأنقذته من السقوط وهي أبلغت موقفها الى الدول العربية ووزير خارجيتها زار السعودية والتقى فيها منذ أسابيع نصر الحريري المفاوض باسم "المعارضة". وكان تركيز على ضرورة الانتهاء من تشكيل اللجنة الدستورية. وروسيا تريد الشراكة مع أميركا لكن الأخيرة تدير ظهرها. بهذا المعنى الاسرائيلي يبدو أكثر براغماتية مع تقديم مصالحه على أي أمر آخر. وروسيا ضمنت هذه المصالح ولا تزال تغض الطرف عن عملياته الحربية ضد القوات الإيرانية على الأرض السورية ولا تشغّل صواريخ "S-300" للتصدي للطائرات الاسرائيلية. أكثر من ذلك، بعد الغارة الأخيرة التي نفذتها القوات الاسرائيلية على مطار دمشق واستهدفت مستودعات أسلحة أساسية تابعة للحرس الثوري الإيراني، توصلت روسيا الى اتفاق مع إيران لإبعاد قواتها عن محيط المطار كي لا تتعرض مرة ثانية ويستهدف المطار ويصبح مقفلاً بالكامل بما لا يتناسب مع الحديث عن "انتصار" النظام أو سيطرته على دمشق ومحيطها وهي آمنة ومستقرة. 

أمام هذا الوضع استدعت إيران الأسد. ذهب الى طهران كما هو معلوم برفقة قائد "فيلق القدس" قاسم سليماني وأحد مسؤولي حزب الله عن العمليات الميدانية على الأرض السورية والمنسق مع القوات السورية والإيرانية فيما يخص الأسلحة والحركة اللوجستية للقوات. وكشف النقاب عن اتفاقات طويلة الأمد بين الحكومة الإيرانية والحكومة السورية، مع أولوية لإيران في إعادة الإعمار، ودعوة إيرانية الى تحديد الأموال الإيرانية التي أنفقت لحماية النظام واعتبارها ديوناً يجب تسجيلها بشكل قانوني وجدولة تسديدها، إضافة الى الاستعداد الإيراني لاستلام مرفأ اللاذقية وتشغيله، وتلا ذلك اجتماع إيراني عراقي سوري في دمشق لضمان بقاء طريق طهران بغداد دمشق بيروت مفتوحة وآمنة بما يتلاءم مع مواقف إيرانية متكررة تؤكد الاستعداد للمواجهة مع اسرائيل، والإرهاب، ورفض الانسحاب من سوريا لأن الوجود الإيراني شرعي أما الوجود الأميركي فهو غير شرعي أبداً . 

إيران عبّرت عن هذه " النقزة  من النظام ومن روسيا بهذه المواقف والإجراءات لضمان مصالحها ووجودها ومحاولة منع اسرائيل من تحقيق أهدافها. روسيا في المقابل أرسلت وزير دفاعها شويغو الى دمشق التي بقي فيها يومين لتنسيق المواقف وعملت مع الأسد مباشرة ومن خلال قنوات دولية مختلفة لإقناعه بالموافقة على اللجنة الدستوية وقد عبّر عن ذلك موفد الأمين العام للأمم المتحدة غي بيدرسن لوضع حد للأزمة مع التأكيد الروسي الدائم على مقررات أستانة التي وافقت عليها إيران وتركيا. وعندما لاحظ الاسرائيليون والأميركيون أن الفكرة التي طرحها نتانياهو لم تأخذ طريقها الى التنفيذ، وبعد أن كانت إدارة ترامب قد أعلنت عودة بعض العرب الى العراق تأكيداً "لعروبته" ثم الى سوريا، من خلال فتح السفارات والاستعداد  لتمويل عودة النازحين، وبدء مسيرة الإعمار وكانت القرارات يمكن أن تصدر بسرعة وتترجم في بداية العام مع الحديث عن عودة سوريا الى الجامعة العربية ومشاركة الأسد في قمة بيروت الاقتصادية، فجأة صدرت مواقف "وتعليمات" أميركية معاكسة. ترامب أخّر الانسحاب من سوريا. أعلن بقاء قواته هناك لأن الحرب على "الإرهاب" لم تنته بعد!! الدول العربية لم تتخذ قراراً بعودة سوريا. ولا عودة نازحين ولا إعادة إعمار ونحن على أبواب انعقاد القمة العربية القادمة الدورية في تونس وهذا البند لم يدرج على جدول أعمالها. هذه هي قصة تصريح نتانياهو والردود الروسية عليه. هل ماتت الفكرة التي طرحها؟؟ لا. لا تزال قائمة وستبقى المحاولات جارية إذ لا حل بدون روسيا. ولكن كيف الحل مع إيران؟؟ مع التطورات الأخيرة قد تقع مواجهات والحلول لن تأتي على البارد فإيران لن ترضخ بسهولة ولن تقبل بمعادلة حل بين روسيا وأميركا واسرائيل. لا يمكن أن يكون حل من دونها وقد تلجأ الى قلب الطاولة في وجه الجميع في أي لحظة. وأنا أكتب هذه الكلمات جاء خبر تنفيذ الطيران الحربي الاسرائيلي غارات على مواقع إيرانية في محيط مطار حلب وإغراق المدينة بالكامل في الظلام. وأرفق الخبر بدعوة المنسق السياسي للبعثة الأميركية في الأمم المتحدة رودني هانتر روسيا الى الضغط على سوريا لسحب قواتها من مرتفعات الجولان والإشارة الى تواجد عناصر لحزب الله في المنطقة منزوعة السلاح والتأكيد أن لاسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها!! 

المشكلة في كل ذلك ان العرب أدوات تستخدم في مشاريع الآخرين فتأتي الحلول على حسابهم وعلى حساب وحدة أراضيهم وثـــرواتهم ولا أحد يسألهم رأياً في تقرير مصيرهم!!