أيعقل أن يبحث الإنسان عن دواء ليعالج مرضه، ويخفف ألمه، فلا يجده؟ المشهد مأساويٌ أمام الصيدليات، طوابيرٌ من الذل، وناسٌ تنتظر الحصول على حبوب دواء معدودة، أو علبة حليب للأطفال.
إعتدنا على مشاهد الطوابير يومياً، وقد تكون سياسة الدعم السبب الأول وراء ما وصل إليه اللبنانيون على صعيد الواقع الاقتصادي والاجتماعي، نسبةً لفشلها وعشوائيتها، إلّا أنّ ممارسات التجار من جهة، وغياب الدولة وأجهزتها عن النافذين من جهة أخرى لعبت دوراً في التعميق من الأزمات.
طوال الفترة السابقة، الدواء كان موجوداً في لبنان، رغم تضاؤل الكميات، إلّا أن بعض التجار الجشعين اختاروا احتكار الدواء وتخزينه في المستودعات حتى موعد رفع الدعم، بهدف الاستفادة من فرق التسعيرة. الحكومة وأجهزتها كانت على علم بأن المواطن يدفع ثمن دوائه ولا يجده في الصيدليات للسبب المذكور، واختارت أن تقف وتتفرج.
في السياق، بدا من الضروري البحث عن آلية لتنظيم سوق الدواء في لبنان في ظل التفلّت الذي شهده في الآونة الأخيرة والفوضى التي عمّت مع أخبار عن استيراد دواء غير مطابق للمواصفات، ووجوب رفع سطوة التجّار الكبار والمحتكرين عن هذا السوق، فماذا عن مكتب الدواء والمختبر المركزي؟
من جهته، أشار عضو كتلة اللقاء الديمقراطي، النائب بلال عبدالله، إلى أن "المكتب الوطني للدواء توقف عن العمل وتم غض النظر عنه، وذلك بسبب محاربة كارتِلات الدواء له، بالإضافة إلى الفشل الإداري".
لكن عبدالله كشف في حديثٍ مع جريدة "الأنباء" الإلكترونية أنّ، "كتلة اللقاء الديمقراطي تقدّمت باقتراح قانون لتشكيل الهيئة الوطنية للدواء إلى مجلس النواب، وهي على نسق الهيئة الوطنية لسلامة الغذاء، وقد تم إقرار الاقتراح في لجنتَي الصحة والعدل والإدارة النيابيّتَين، ويُفترض أن يتم إقراره في الهيئة العامة، إذ أن الكتل النيابية جميعها ممثلة في اللجنتين المذكورتين".
ولفت عبدالله إلى أن "هذه الهيئة تنظّم كل ما هو على علاقة بسوق الدواء والمتممات الغذائية وصحة الإنسان، بهدف وقف الفوضى، ومحاربة الاحتكار، وتنظيم التسعير، رغم أن عملية التسعير صحيحة في وزارة الصحة، كما نشدّد من خلاله على إنشاء المختبر المركزي".
بدوره، ذكر رئيس مركز جودة الدواء والغذاء والمياه في الجامعة اللبنانية، الدكتور نزيه أبو شاهين، أنّ "مهمة المختبر المركزي تكمن في إجراء الفحوصات لأدوية "الجِنيريك" ولكل مواد الغذائية وكل ما يتعلق بالصحة، وهو من يعطي شهادات المطابقة للمواصفات".
وفي اتّصالٍ مع "الأنباء"، قال أبو شاهين: "حاولنا عبر مركز جودة الدواء والغذاء والمياه تعويض المختبر المركزي والقيام بمهماته، فقمنا بحملة الفحوصات المخبرية لسلامة الغذاء المشهورة آنذاك للتأكد من مطابقة الغذاء للمواصفات، كما قمنا بفحص مياه نهر الليطاني ومياه المدارس الرسمية، وكنا نحاول سد النقص الذي خلّفه غياب المختبر المركزي قدر الإمكان".
وشدّد أبو شاهين في حديثه على ضرورة إحياء المختبر المركزي، لافتاً إلى، "عراقيل أفشلت محاولات إعادة تشغيل المختبر، وهي تتمثل بغياب المكان المناسب لاعتماده مقراً للمختبر، وارتفاع كلفة التجهيزات"، وفي هذا الإطار، كشف أنّ "مختبر الجامعة اللبنانية لا ينقصه إلّا ما هو بسيط لاستكمال التجهيزات، وإجراء كافة الفحوصات، علماً أن البنية التحتية موجودة والخبرات الطبية والفنية أيضاً متوفرة".
وختم أبو شاهين مؤكداً وجوب، "تشجيع صناعة الدواء المحلية، وإعطائها الأفضلية، بالإضافة إلى تنظيم أدوية "الجِنيريك"، كما وإجراء الفحوص على الدواء في مختبرات لبنان بدل الاستعانة بالخارج، واستنزاف العملة الصعبة".