Advertise here

مفاوضات فيينا بعد الانتخابات الإيرانية... هل تتبدّد أجواء التفاؤل؟

26 حزيران 2021 10:40:21

مع انتهاء الجولة السادسة من مفاوضات الملف النووي الإيراني، بين إيران والقوى الست العالمية، تأرجحت التوقعات بين تفاؤل أوروبي- إيراني بأن تكون الجولة القادمة حاسمة، ومحمّلة بقرارات نهائية من الأطراف المتفاوضة، وتحذيرات أميركية من أنّ الهوة ما تزال كبيرة بين المتفاوضين، وأنّ أهمّ النقاط ما تزال عالقة. 

لكن المراقبين أشاروا إلى أن انتخاب الرئيس الجديد لإيران، المتشدّد إبراهيم رئيسي، يشكّل دافعاً كبيراً لاستعجال جميع الأطراف بما فيها الوفد الإيراني، تذليل العقبات المتبقية أمام العودة إلى الاتفاق قبل استلام رئيسي منصبه في الأول من آب المقبل، خشية أن تكون توجّهات وسياسات الرئيس الجديد متشدّدة في هذا الملف، وربما تودي بالمفاوضات إلى غير رجعة. ولعلّ ذلك ما دفع بالمفاوضين الإيرانيين إلى بثّ الأجواء الإيجابية حول احتمال أن تكون الجولة السابعة هي الأخيرة، والتي من المرجح أن تنعقد نهاية الأسبوع القادم.

وفيما أشار المراقبون إلى أن الاتفاق النووي يمثل قضية دولة ونظام وليس قضية رئيسين، أحدهما منتخب والآخر منصرف، أكّدوا أن قرار الموافقة على ما سوف تنتهي إليه المفاوضات من إجراءات وآليات للعودة إلى تنفيذ بنود الاتفاق  الموقّع في حزيران 2015، مناطةٌ بالمرشد الأعلى علي خامنئي دون سواه، وبالتالي فإن أجواء التفاؤل ليست سوى حملة إعلامية للتخفيف من وطأة وصول رئيسي إلى السلطة، وهو المتهم بجرائم ضد الإنسانية، وانتهاك حقوق الانسان.

أجواء التفاؤل التي انكبّ على تعميمها محمود واعظي، رئيس مكتب ?حسن روحاني، الرئيس المنتهية ولايته،? ? ?والذي قال إن، "مفاوضات فيينا تتجّه إلى التوصّل إلى آلية تمنع تكرار ما حدث في عهد الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، من انسحابٍ أحادي الجانب من الاتفاق النووي"، وأضاف، "المفاوضات لا تشمل سياسات إيران الإقليمية، ولا برنامجيها الصاروخي والدفاعي، ولن تتم كتابة اتفاق نووي جديد"؛ فيما أشار علي ربيعي، المتحدّث باسم الحكومة الإيرانية، إلى أنّ المفاوضين توصلوا إلى، "نصٍ واضحٍ لا لبس فيه في مفاوضات فيينا، وما تبقّى يتطلب قراراً سياسياً من جميع الأطراف". وكان مساعد وزير الخارجية الإيراني للشؤون السياسية، عباس عراقجي، أكّد في ختام الجولة السادسة من المفاوضات، أنّ إيران "باتت أقرب مما مضى إلى التوصّل إلى اتفاقٍ في مفاوضات فيينا."

أجواء التفاؤل الإيرانية بدّدتها تصريحات مسؤول رفيع في وزارة الخارجية الأميركية، والذي أكّد أن بلاده ستشارك في الجولة المقبلة من مفاوضات فيينا، وأنّ لا وجود لضمانات تمنع انسحاب واشنطن من الاتفاق المرتقب بعد انتهاء ولاية جو بايدن، وفق ما يطالب الوفد الإيراني. وتابع قائلاً: "لم نستطع ردم هوة الخلافات في مجموعةٍ من القضايا مع إيران"، وعلى الرغم من ذلك، "فإنّ الاتفاق مع طهران لا يزال أمراً ممكناً".

بدوره، مُستشار الأمن القومي الأميركي، جيك سوليفان، وفي حديثٍ له مع محطة ABC الأميركية، قال إنّ،  "المسافة ما تزال طويلة في مسار مفاوضات فيينا، وأنّ عدداً من القضايا الرئيسة لا تزال عالقة، بما في ذلك العقوبات والالتزامات النووية، والتي يتعيّن على إيران أن تتعهد بها".

ويرى المراقبون أنّ تصريحات سوليفان تناولت المطالب الإيرانية "التعجيزية" التي طرحتها خلال الجولة  السادسة من المفاوضات، مثل المطالبة بتعويضاتٍ عن العقوبات الأميركية، أو الشرط المُلزم للولايات المُتحدة بمنع أية إدارة من الانسحاب من الاتفاق النووي.

 وبعيداً عن الأضواء، تتحدث مصادر مقربة عن مسألتين أساسيّتين قد تطيحا بالمفاوضات: أولاهما العقوبات الأميركية المفروضة على بعض الشخصيات الإيرانية المهمة، ومن بينها المرشد علي خامنئي، والرئيس المنتخب نفسه إبراهيم رئيسي، ونحو 128 شخصية أخرى، والعقوبات المفروضة على هيئات وكيانات أساسية مثل الحرس الثوري، والتي تتشدد حيالها الولايات المتحدة الأميركية باعتبارها لا تندرج في سياق العقوبات على الاتفاق النووي، وإنّما فُرضت في سياق الاتهامات لإيران بالإرهاب وانتهاك حقوق الإنسان، بالإضافة إلى أنشطة إيران في الشرق الأوسط. فيما لا ترى إيران أي مجال للعودة إلى الاتفاق من دون رفع هذه العقوبات.

في هذا السياق يرى بعض الباحثين المختصين بالشأن الإيراني، أنّه إذا نجحت مفاوضات فيينا بإعادة طهران وواشنطن إلى الالتزام بالاتفاق النووي السابق، وهذا ما يتوقعه الكثير من المتابعين، "سوف تعلن إيران الانتصار على أميركا، وسوف تستمر في مناوراتها الاستفزازية، وسياساتها التوسعية السابقة، وستحاول الانتشار والتغلغل في العديد من الدول العربية لتفتيتها، وتعميق الانقسامات الداخلية فيها".

 وتشير المصادر إلى أنّه بعد رفع العقوبات وتدفّق الأموال والاستثمارات إلى إيران، "لن تكون طهران في موقع الخائف من سياسة الضغوط القصوى التي كادت أن تؤدي إلى ضربة عسكرية غير محسوبة النتائج، خاصة وأن إدارة الرئيس بايدن فرضت على إسرائيل الالتزام بالخطوط الحمراء التي وضعتها لها، ولن تسمح لها الاستمرار بممارسة أي نشاطات عدائية او استفزازية معلنة أو سرّية ضد إيران، على غرار الأنشطة التي قامت بها تل أبيب في الفترة السابقة، والتي وضعتها إيران في دائرة الأحداث الغامضة.

نجاح المفاوضات في فيينا، والعودة إلى  الاتفاق النووي، سوف يضعان المنطقة أمام معركة جديدة مع إيران الخارجة من العقوبات والأكثر تشدّداً، والتي تريد انتزاع موقف رسمي أميركي بحصتها في النفوذ السياسي، والعسكري، والأمني، والاقتصادي في المنطقة.

أما إذا فشل المتفاوضون في العودة إلى الاتفاق النووي، فسوف تخرج إيران، الأكثر تشدّداً، والتي بات الحرس الثوري يمسك بمفاصل السلطة فيها بعد وصول رئيسي إلى رئاستها، وتعلن أيضاً انتصارها على واشنطن التي لم تنجح في تحقيق أهدافها بمحاصرة إيران، أو إخضاعها، على الرغم من اعتمادها سياسة الضغوط القصوى. وهذا سيعطي القيادة الإيرانية المبرّر السياسي للاستمرار في سياساتها الابتزازية باستنزاف الساحات العربية من اليمن إلى لبنان، مروراً بالعراق وسوريا، وسوف تدخل مجدداً في مفاوضات جديدة معتمدة الوسائل التصعيدية ذاتها: "رفع التخصيب إلى الحدود القصوى"، و"تطوير القوة الصاروخية" بمعزلٍ عن الرقابة الدولية، و"اختبار قدراتها الصاروخية في الدول العربية"، لا سيّما المناطق المتوترة كما هو الحال في اليمن، وغزة، والعراق.

بعد وصول المتشدّد إبراهيم رئيسي إلى سدة الرئاسة في إيران- وعلى الرغم من ضعف نسبة الفوز التي حقّقها، ما يوازي ربع أصوات الناخبين الإيرانيين، وهو المتهم بانتهاك حقوق الإنسان في إيران، وبإعدام السجناء، والذي يعتبره المراقبون بأنه المرشّح لخليفة المرشد - سيزداد المنطق الإيراني القائم على نظرية الانتصار تجذراً. فرئيسي الذي قال في أول إطلالةٍ إعلامية له بعد الانتخابات إنّه، "على العالم أن يدرك أن سياسة الضغوط القصوى على إيران لم تكن مجدية، وأن الوضع تغيّر بعد الانتخابات الرئاسية"، موضحاً أن برنامج الصواريخ البالستية غير قابل للتفاوض، وهو سوف يعلن في نهاية المطاف انتصاره على "قوى الشر"، سواءً تم توقيع الاتفاق، والعودة إلى الضوابط الدولية، أو فشل الاتفاق واستمرت معركة الاستنزاف التي ستكون الساحات العربية والشعوب العربية مسرحاً لها. فالانتصارات والمكاسب الإيرانية، حقيقية كانت أم وهمية، سوف تكون على حساب العواصم العربية وشتاتها.