Advertise here

الراعي: من غير المقبول التمادي في عدم البدء بالإصلاحات

31 آذار 2019 15:50:00

رأى البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي في عظته اليوم خلال قداس من بكركي، أنّه "عندما تكثر الخطايا الشّخصيّة، ولا أحد يتوب عن خطاياه، تتراكم هذه الخطايا في المجتمع وتتّسع لتشمل الكثيرين، فتصبح عيشًا في "هيكليّة خطيئة" كما يسمّيها القدّيس البابا يوحنّا بولس الثاني". وسأل: "أليس هذا واقعنا في لبنان، عندما نرى تدنّي القيم الأخلاقيّة والفضائل المسيحيّة والدّينيّة؟ وعندما نسمع المسؤولين من وزراء ونوّاب يتشكّون من الفساد المتفشّي في الوزارات والإدارات العامّة؟ وعندما نشهد كيف يُسرق المال العام، ويُهدر، ويُسلب، بشتّى الطّرق؟ وعندما نرى شبيبتنا متهافتة على المخدّرات بسبب عدم السّهر الكافي من الوالدين والسّلطات المدنيّة، وبسبب دعم المروّجين والتجّار، على الرّغم من نشاطات الأجهزة المعنيّة مشكورة؟".

الراعي لفت إلى أنّه "لا بدّ من أفعال توبة من قبل الجميع، إذ لا شفاء إلاّ بالتوبة إلى الله. فكما أنّنا نعيش في "هيكليّة خطيئة"، يجب أن نخرج منها والوصول إلى "هيكليّة توبة" تُجدّد كلّ شيء، مثلما تَجدّد مخلّع كفرناحوم روحًا وجسدًا بنعمة المسيح الإله".

هذا وأشار إلى أنّه "عندما نقول خطيئة، نفهم للحال خطيئة ضدّ الله، وهي كذلك. ولكنّها أيضًا خطيئة ضدّ الإنسان والمجتمع. فتتّخذ هذه الخطيئة الشّخصيّة إسم "خطيئة اجتماعيّة" بمعنى أنّها تؤثّر على جميع النّاس. فكما أنّ "كلّ نفس ترتفع، ترفع معها العالم"، كذلك "كلّ نفس تنحدر بالخطيئة تُحدر معها الكنيسة والمجتمع". وهي خطيئة اجتماعيّة عندما تكون إساءةً أو تعدّيًا بشكل مباشر على الآخر مثل التّصدّي للحياة ذاتها كالقتل والاجهاض والانتحار. وانتهاك حصانة الإنسان كالتّعذيب الجسديّ والمعنويّ والنّفسيّ، وإهانة كرامته وشرفه كسلب الصّيت والدّعارة والاتّجار بالنّساء والأطفال والتّحرّش بالصّغار، والاعتقال الاعتباطيّ. وهي خطيئة اجتماعيّة عندما تُنتهَك العدالة، وتُمسّ حقوق الإنسان الأساسيّة ولاسيّما الحقّ في الحياة المكتفية والسّكن والعمل وإنشاء عائلة. وهي خطيئة اجتماعيّة عندما لا يؤمَّن الخير العام ومتطلّباته على مستوى السّلطات التّشريعيّة والاجرائيّة والإداريّة، ويُهمَل السّعي للنّهوض بإقتصاد البلاد من أجل تأمين استقراره ونموّه والعيش الكريم للشّعب".

وقال: "كما أنّ الخطيئة الشّخصيّة ضدّ الله هي في الوقت عينه خطيئة اجتماعيّة ضد الانسنا والمجتمع، بحسب المبدأ القائل: "سلام مع الله، سلام مع الخليقة كلّها"، بات من الواجب أن تكون التوبة الشخصيّة إلى الله توبة اجتماعيّة الى الانسان والمجتمع والدولة، وبالتّالي مصالحة مع العمل السّياسيّ كفنٍّ نبيل لخدمة الخير العام، ومع الدّولة ومؤسّساتها ومع مالها العام، ومع الشّعب اللّبنانيّ ومع واجب النّهوض الاقتصاديّ والماليّ".

وأضاف: "يجب على المسؤولين في الحكومة والمجلس النيابيّ وضع الاصبع على الجرح بشكل فعليّ لا كلاميّ. فمن غير المقبول إطلاقًا التّمادي في عدم البدء بالإصلاحات التي يطالب بها المجتمع الدّولي الحريص على لبنان أكثر من السّلطات السياسية فيه، الغارقة بكلّ أسف، في نزاعاتها حول مصالحها وحساباتها وأرباحها. من غير المقبول عدم بتّ قضيّة الكهرباء وإيقاف الهدر الماليّ اليوميّ على كهرباء من دون كهرباء. من غير المقبول التّلكّؤ عن القرار الشّجاع في إعادة النّظر في القوانين الخاصّة بأجور موظّفين ومتقاعدين وخدمات تثقل الخزينة وتميل بها إلى الإفلاس. من غير المقبول عدم إنجاز موازنة 2019 وضبط نفقات الوزارات... هذه كلها خطايا ضد الشعب والدولة".

واعتبر الراعي أنّ "البلاد وصلت إلى شفير الهاوية الإقتصاديّة والماليّة، فيجب على السّياسيّين والمؤسّسات العامّة والشّعب اللّبنانيّ بأسره، وعلى كلّ واحد وواحدة منّا، العيش في حالة تقشّف منظَّم تستفيد منه خزينة الدّولة. هل عندنا مسؤولون جريئون على اتّخاذ الخطوة اللّازمة في هذا الإطار؟ نأمل ذلك ونصلّي. إنّ مخلّع كفرناحوم هو اليوم لبنان بكيانه وشعبه ومؤسساته. والرّجال الأربعة هم المسؤولون في الدولة أوّلاً وفي الكنيسة والمجتمع كمعاونين