قراءة في مسار الثورة

22 حزيران 2021 16:44:46

كم كان الأمل كبيراً في تحرّك الشريحة التي كانت تُعتَبر صامتة، يوم نزلت إلى الشارع رافعةً شعار التغيير في خضم أزمة حياتية نمرّ بها. وكان السبب الظاهر لتفجّرها آنذاك زيادة على فاتورة الهاتف الخليوي، لكنها من دون شك، جاءت نتيجة تراكمٍ من الأزمات كان عبّر عنها الحزب التقدمي الإشتراكي قبل ثلاثة أيام بتظاهرةٍ سبقت تحرّك الجماهير في الثورة، والتي ما لبثت أن تقوقعت على نفسها رافعةً  شعاراً رفضناه، ولا نزال، لأنّه لا يستند إلى العدالة في التعاطي مع طبقةٍ سياسية شكّلنا جزءاً منها. صحيح، لكنّنا ومنذ البدايات، أي وبعد ثلاث سنوات من تأسيس الحزب، بدأ نضالنا التغييري بالثورة البيضاء عام 1952، ولن أستعرض تاريخنا الذي نعتز بجميع تفاصيله.

قامت المظاهرة الأولى في 17 تشرين (الأول) 2019، معبّرةً جامعةً لجميع المظلومين من فئات المجتمع اللبناني، وضمّت مجموعةً من الشباب رفعت شعارات معاناتها فاستحوذت على التأييد.

أيّد الحزب التقدمي الإشتراكي، وبارك بشخص رئيسه، تحرّك شباب لبنان الطبيعي، وطرح ما يلي خارطةً ممكن اعتمادها للوصول إلى التغيير المنشود، وذلك بأولويات تتحدّد بما يلي:

1-استقالة الحكومة. 
2-تغيير قانون الانتخاب باعتماد لبنان دائرة واحدة بعيدة عن القيد الطائفي، وذلك لتغيير هذه الطبقة السياسية التي طالب الثوار بتغييرها. 
3- إجراء انتخابات جديدة على القانون الجديد.

لم تتم مناقشة هذا الطرح وغيره، وبدأ ركوب الموجة تحت شعار "كلن يعني كلن"، فلا تمييز بين الطروحات الوطنية الجامعة، وبين الطروحات المذهبية المقيتة، ولا تمييز بين من باركَ التحرك وبين من قمعه. فذهب جمال الثورة، وقيمتها الكبيرة التي تجلّت في 17 تشرين إلى أمكنة استُدرجت إليها لتضييع ماهيّتها، وعفويّتها، والأسس السامية التي حرّكتها.  

إعلام الثورة بقدر ما كان قوياً حيث فُتحت له الشاشات بشكلٍ متواصل، بقدر ما استُغلَّ من قِبل القيّمين على هذا الإعلام، وذلك بتوجيه الثوار إلى ما لا يمتّ أبداً إلى انطلاقتهم. 

لم يقرأ هذا الإعلام أنّ هناك قوى حيّة طرحت موضوع تغيير قانون الانتخاب ليسمح لهؤلاء الشباب بالوصول إلى البرلمان. لم يرَ هذا الإعلام القوانين والدراسات التي قُدّمت على أمل تغيير القانون الضريبي ليصبح تصاعدياً في محاولةٍ للوصول إلى نوعٍ من العدالة.

تسمّر الخطاب الثوري عند "شعار كلن يعني كلن" متقوقعاً ضمن شرنقته.

اليوم، وبعد ما يزيد على سنة ونصف منذ انطلاقة الثورة، فإنّ معاناة الناس تزيد، والبلد على حافة الانهيار الشامل. والمؤسف أنّ حاملي لواء الثورة غائبون. أين المواقف، أو التحركات المطلوبة من التهريب؟ أينهم من الوضع الصحي المتردي؟ أين الضغط من أجل تشكيل  حكومة؟ أين المواقف ممن يعرقلها؟ أين الموقف من هذا السيناريو الطائفي البغيض الذي يوقف البلد على حصصٍ واهية من مقاعد وزارية واهية؟ أين الضغط من أجل التحقيق بانفجار المرفأ؟ وأزمة المحروقات وإلخ. 

هذه دعوةٌ صادقة إلى الانفتاح، والحوار، والتلاقي، والعمل الجاد لبقاء الوطن وشعبه.