Advertise here

بوريل يرد علناً على 4 نقاط أثارها معه عون

20 حزيران 2021 11:17:24

يشهد لبنان موجة جديدة من الضغوط الدولية على السلطة الحاكمة كي تنهي الفراغ الحكومي الذي يسرّع بقيادة لبنان نحو انفجار كبير لأنه يتسبب بتدهور الأوضاع المعيشية في شكل مأسوي.

أبرز مظاهر الموجة الجديدة من الضغوط زيارة الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي ونائب رئيس المفوضية الأوروبية جوزيف بوريل إلى بيروت، والتي رفدتها لقاءات أجرتها كل من سفيرتي فرنسا آن غريو والولايات المتحدة الأميركية دوروثي شيا، وكلها تحركات جرت بعنوان واحد، ما لبثت الدول المعنية بلبنان تشدد عليه، أي ضرورة الإسراع في تأليف الحكومة.

صحيح أن زيارة بوريل تهدف إلى فهم مباشر أكثر للعقبات التي تعترض قيام الحكومة عشية اجتماع لجنة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي يومي الإثنين والثلاثاء المقبلين، وعلى طاولتها مسألة فرض عقوبات على شخصيات تعرقل قيام الحكومة ومتهمة بالفساد، لكن لا بد من الإشارة بأنه انتقل إلى لبنان بعد اجتماعات أوروبية مكثفة مع الجانب الأميركي سواء في إطار الاتحاد الأوروبي أو في لقاءات القمة الثنائية التي عقدها الرئيس جو بايدن مع بعض نظرائه الأوروبين. وهي لقاءات أعادت إلى الصدارة التنسيق والتحالف الأميركي الأوروبي في معظم الأزمات الإقليمية. وعلى الرغم من أن الأزمة اللبنانية لم تكن من المواضيع التي بحثتها هذه القمة، فإن عودة التعاون الأوروبي الأميركي يعزز الالتزام الأميركي بالمبادرة الفرنسية في شأن هذه الأزمة، والتي باتت محور التحرك الأوروبي حيال المأزق الذي يتحكم بالبلد الصغير.

وتشير مصادر واسعة الاطلاع إلى أن السفيرة الأميركية شيا، العائدة لتوها من بلادها عكست التفاهم الأميركي الفرنسي بتشديدها  في باكورة لقاءاتها، بدءاً بالرئيس المكلف سعد الحريري، على ضرورة تسريع ولادة الحكومة، استناداً إلى المبادرة الفرنسية، مع دعم سعيه إلى إزالة العقبات عبر المبادرات المطروحة، لإنهاء الفراغ. ويلاقي هذا الموقف الطلب الفرنسي من الحريري أن يتريث في الاعتذار عن مهمة تأليف الحكومة، والذي دفعه إلى تأخير اتخاذ القرار في هذا الشأن في انتظار حصيلة مبادرة رئيس البرلمان نبيه بري الذي أكد استمرارها على رغم حرب البيانات التي نشبت بينه وبين الرئيس عون الأسبوع الفائت.

من المفارقات في زيارة جوزيف بوريل أنه اضطر للرد بطريقة غير مباشرة على نقاط عدة أثارها معه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون فور خروجه من لقائه معه، وفي التصريح المطول الذي أدلى به في القصر الرئاسي.

اولاً: الرئيس عون تحدث عن "تشكيل الحكومة بعد تذليل العقبات الداخلية والخارجية أمامها"، فيما حرص بوريل على القول إنها "أزمة محلية فرضها اللبنانيون على أنفسهم وهي ليست أزمة آتية من الخارج"، وصولاً إلى اعتماده مزيجٍاً من التهكم والجدية بقوله: "ليس السبب الأحوال الجوية السيئة، ولا الحرب السورية ( أشار إليها عون كسبب للأزمة الاقتصاية)، ولا الاتحاد الأوروبي".

ثانياً: طالب عون بوريل، باستمرار تقديم المساعدات للبنان، فكرر الثاني في تصريحه أكثر من مرة إنه "يجب تشكيل حكومة ولا يمكننا أن نقدم المساعدات من دون حصول تقدم في الإصلاحات وسنكون مستعدين لزيادتها في حال التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي". وهو تكرار لما دأب الفرنسيون وسائر الأوروبيين والأميركيين التشديد عليه، بأن وحده الاتفاق مع صندوق النقد الدولي يتيح المجال للمساعدات.

وفي وقت تأمل السلطة الحاكمة أن تأتي المساعدات عبرها، كان بوريل واضحاً، بالإشارة إلى استعداد الاتحاد الأوروبي "لتطوير مساعدات تُقدم مباشرة إلى المجتمع المدني"، كي لا يترك أي لبس بأن لا ثقة بالمسؤولين اللبنانيين والسلطة الحاكمة.

ثالثاً: إزاء ما بدا أنها محاولة من الرئيس اللبناني لإقحام المسؤول الأوروبي في زواريب المناورات اللبنانية بين الفرقاء المختلفين على الصلاحيات، بحديثه عن "الأصول الدستورية والأعراف والعادات المنبثقة منذ سنوات" في تشكيل الحكومة، وعن " التشاركية والميثاقية في تكوين السلطة"، حرص بوريل على الذهاب إلى صلب الموقف بالتشديد على أنه ينقل " رسالة حازمة إلى جميع القادة السياسيين اللبنانيين باسم الاتحاد الأوروبي" بوجوب تسريع تأليف الحكومة، وأنه عقد "اجتماعاً صريحاً والأصدقاء الحقيقيون يسمون الأشياء بأسمائها بأمانة".

ولم يكن يعني بالصراحة سوى تلويحه بالعقوبات التي باتت على الطاولة آملاً "ألا نضطر لذلك ". ويحكى في بيروت عن أسماء محددة مرشحة لأن تخضع لهذه العقوبات، التي قالت مصادر ديبلوماسية أن السفيرة الفرنسية غريو أثارتها خلال لقاءاتها قبل أيام والتي شملت رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل، حيث وُصف اجتماعها معه بأنه كان صريحاً ومباشراً شددت خلالها على أنه لا شيء يبرر عدم تشكيل الحكومة على الإطلاق، ما يعني عدم الاقتناع بكل الحجج التي يسوقها "التيار الحر" والفريق الرئاسي لتبرير تأخير ولادتها.

رابعاً: حيال الإلحاح اللبناني على وجوب إعادة النازحين السوريين إلى بلادهم قال بوريل: "نحن على ثقة من أن السلطات اللبنانية ستواصل احترام مبدأ عدم الإعادة القسرية"، مقابل استخدام الجانب اللبناني عبارة العودة الطوعية والآمنة. أي أن بوريل الذي أبدى استعداداً لتقديم المزيد من المساعدات في هذا المضمار، ربط العودة بالضمانات الأمنية للنازحين، التي يصعب تأمينها من دون حلول سياسية.

لم تكن "تسمية بوريل الأشياء بأسمائها" والتي لا بد أنه كان أكثر وضوحاً فيها خلال اللقاءات بين أربعة جدران، سوى أنها كانت إحدى وسائل الضغط التي حضر لأجل أبلاغ الرسالة في شأنها.

هل تنجح الموجة الجديدة من الضغوط، خصوصاً أن بعض العواصم ومنها باريس تردد أنها لم تفقد الأمل من استمرار السعي على الرغم من السجال الحاد الذي حصل بين الرئيس بري والرئيس عون؟

الأيام المقبلة ستجيب عن هذا السؤال مع أن الأوساط التي تابعت عن قرب عراقيل تأليف الحكومة التي ظهرت في الأشهر الماضية تستبعد نجاح الضغوط. لكن المؤكد أن المحاولة الأوروبية الجديدة، مصحوبة بالتحرك الفرنسي وبالتأييد الأميركي لإخراج البلد من الفراغ كانت عاملاً إضافياً دفع الحريري إلى التريث في قرار الاعتذار عن مواصلة مهمة التأليف، معطوفاً على إلحاح بري عليه ألا يقدم على هذه الخطوة.