Advertise here

بعد افتتاح العاصمة الادارية الجديدة... اي دور ستلعبه مصر؟

19 حزيران 2021 17:05:00

اعتبر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أنّ الانتقال إلى العاصمة الإدارية الجديدة وافتتاحها ليس مسألة تطوير عمراني وإداري فحسب، بل هو عبارة عن "ميلاد دولة مصر الجديدة". فهذا المشروع الضخم الذي تأخر بسبب انتشار جائحة كورونا، بدأ مرحلة الاختبارات التجريبية من خلال نقل الأطقم الإدارية والفنية للوزارات والبرلمان والرئاسة، وهو يترافق مع إطلاق مجموعة من المشاريع العمرانية الجبارة على مستوى الجمهورية، منها شق الفرع الثاني لقناة السويس، وبناء نصف مليون شقة سكنية، وخطة التطوير العقاري لعواصم المحافظات والمراكز الرئيسية فيها، فضلاً عن الاستثمارات الجديدة التي تتجه نحو الطاقة المتجددة، وربطها بتشغيل الموارد المائية من أجل حماية ديمومتها تحسبا لمضاعفات الأزمة المائية التي تسعى إثيوبيا إلى تسعيرها، ووضع نفسها في حالة العداء الشرس مع مصر والسودان.
 
تعي السياسة المصرية الجديدة ذاتها وتخطّط لنهضة اقتصادية ضخمة، وإعادة بناء القوة العسكرية، والدور الإقليمي، مرتكزة بذلك على إعادة بناء نشاطها الدبلوماسي الإقليمي والدولي وتفعيله بالأدوات الناعمة وغير الناعمة، ومنها الاقتصادية بالدرجة الأولى، تلك الدبلوماسية التي تنتمي إلى مدرسة عميقة متجذرة داخل الدولة العميقة، وضعت نصب أعينها استعادة الدور الإقليمي العربي والإفريقي، معتمدةً على سياسات مدروسة هادئة مع القوى العظمى، قادرة على توظيف تناقضاتها لمصلحته، سيّما وأنّ الضغوط الأميركية فرضت على الدبلوماسية المصرية ابتكار أشكال مختلفة من العمل لصوغ علاقات جديدة مع واشنطن بطريقة مختلفة تلبي مصالح القاهرة.  
 
يمكن ملاحظة نتائج تلك السياسات في ما أنجزته مصر في صراعها المتعدد الأوجه مع تركيا والمحسوب بدقة، في البحر المتوسط حول النفط والغاز، في ليبيا على الدور الجيو – سياسي وفي الداخل المصري وغزة على خلفية موقفها المرتبط بحركة الإخوان المسلمين، حيث أظهرت النتائج انكفاء وتراجع تركيا في المواقع الثلاث بعد أن أدركت قدرة القاهرة على إنشاء تحالفات كبيرة مع فرنسا وإيطاليا واليونان وقبرص، أجبرتها على إعادة صوغ سياساتها الاسترضائية مع القاهرة، التي فرضت بدورها جملة شروط دقيقة. 
 
أما على خط أزمة سد النهضة، يلاحظ أنّ القاهرة واجهت فيه أزمتين ذات بعد إقليمي ودولي. فالولايات المتحدة الأميركية لم تستجِب لنداءات مصر في السنوات السابقة للتدخل سريعاً لحسم الخلاف بين إثيوبيا ومصر والسودان، لا بل تركت لأديس أبابا أن تتعامل مع الأمر بالطريقة التي ترغب، ووفرت لها غطاء التصعيد السياسي والعملاني، كما تلقت إثيوبيا في هذا السياق دعماً قطرياً وإسرائيلياً، حيث يعمل في أديس أبابا عدد من المستشارين وخبراء المياه، حيث سعت تل ابيب للاستثمار في هذا المجال للتأثير على القاهرة وحصارها من منابع النيل.
 
تعامل المصريين مع أزمة السد بدبلوماسية احترافية عالية، ووجهت القاهرة إشارات حاسمة في أكثر من مكان، ودعت إلى تشكيل لجنة رباعية من الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي، وإلى جانب العمل الدبلوماسي التفاوضي، رسّخت المخابرات المصرية علاقاتها الأمنية مع دول حوض النيل ووقّعت معها اتفاقيات سياسية وأمنية بغية تشكيل قوة ردع عسكرية مشتركة بينها وبين مصر والسودان.، وباستثناء اثيوبيا وإرتيريا، وقعت القاهرة مع دول الحوض الـ 11 اتفاقات تعاون، وأطلقت معها مبادرة النيل من أجل السلام في أوغندا.
 
وإضافة إلى التنسيق والتحالف العسكري بين الجيشين المصري والسوداني الذي بلغ مرحلة متقدمة من التدريب ظهرت في المناورات العسكرية المتتالية التي نفذت تحت مسمى "نسور النيل" و"حماة النيل"، أعلن الجيش المصري تشكيله فرقة عسكرية مجوقله، قادرة على الانتقال داخل أرض المعركة بعمق 2000 كلم بكامل عديدها وعتادها الثقيل. وهذا تطور نوعي في العمل العسكري، إضافة إلى بناء قاعدة عسكرية في جيبوتي، والتي تشكل بحد ذاتها رسالة شديدة القوة لإرتيريا وإثيوبيا، الدولتين اللتين تصعّدان في سياستهما لمنع حصول مصر والسودان على حقّهما في مياه النيل.

لقد فرضت هذه الخطوات نفسها على جدول أعمال سد النهضة، وبدا تأثيرها واضحاً في تعديل موقف الإدارة الأميركية وسياساتها تجاه القرن الإفريقي عامة، وأزمة سد النهضة خاصةً، بعد أن شهد إقليم تغيراي نزاعات دامية، ومذابح حملت طابع التطهير العرقي، ما يهدد باندلاع حرب أهلية شاملة في إثيوبيا بين مختلف العرقيات، والتي قد تمتد إلى الصومال وإرتيريا، ومجمل دول القرن الإفريقي.
 
السياسة الجديدة التي انتهجها مصر في التعامل مع الإقليم يفرض عليها:

1- استعمال ثقلها السياسي والعسكري والأمني والاقتصادي في معالجة الملفات الخارجية التي يمكنها التأثير فيها، بعد أن أنجزت الإمساك بالحالة الداخلية المصرية، والقضاء على المنظمات الإرهابية التي كانت قد شغلت مصر على مدى سنوات، واستطاعت أن تكون اللاعب العربي الرئيسي في معالجة أزمة الحرب الأخيرة على غزة، مستخدمة قدراتها في إقرار الهدنة ووقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل، حيث وجهت لإسرائيل موقفا عال النبرة عندما حاول نتنياهو إجهاض مبادرتها، ونشهد حالياً مواكبة جدية لمبادرة إعادة بناء الموقف الفلسطيني الداخلي وتكريس المصالحة والشروع في إعادة إعمار ما هدمته الحرب.
 
2- السير جنباً إلى جنب بعلاقة منتظمة مع السياسة السعودية في معالجة الملفات ذات الاهتمام والمصالح المشتركة، وهي ملفات كبيرة وعديدة، مع فارق أولوية الملفات ذات الخصوصية المصرية، أو ذات الأولوية والخصوصية السعودية، وكذلك الأمر مع سياسة دولة الإمارات العربية المتحدة.
 
3- إعطاء دور واهتمام لمسألة التحالف العربي الذي بدأ يتقدم بخطوات حثيثة من حيث الحضور السياسي في المنطقة، وأصبح أكثر فاعلية في انتهاج سياسات عميقة ومدروسة لا تقوم على رد الفعل، ولا تنتمي إلى حقبة الشعارات التي اعتاد عليها العقل السياسي العربي والجمهور العربي، وهذا ما شهدناه في إدارة القاهرة والرياض للعديد من الملفات في هذه المرحلة المتشابكة والمعقدة.
 
لا يمكن الجزم أن الأمور قد تصل إلى خواتيم جيدة ومريحة، لأن الصراع ما زال مفتوحاً على نزاعات غير مرئية، فإثيوبيا تحاول بذل الجهد الحثيث لتغذية حركة الصراع واستمرار النزاع مع مصر والسودان، وتركيا لم تنكفئ عن أهدافها، على الرغم من تراجعها القسري. أما إيران فتستمر باستعراض القوة والنفوذ في اليمن والعراق وسوريا ولبنان، من خلال حلفائها واتباعها من الميليشيات الموالية لها، وكذلك عبر حركة حماس والجهاد الإسلامي في فلسطين.
 
استعراض القوة هذا لم يعد له تأثير على السياسات العليا بسبب وجود مستوى من الثبات في الموقف العربي. وهذا ما شهدناه في حرب غزة بفعل الدبلوماسية المصرية النشطة، وما حققته الدبلوماسية السعودية في مواجهة إيران وتركيا والإدارة الأميركية التي كانت في موقع الاستعلاء الكلي عندما تسلّم بايدن  منصبه في المكتب البيضاوي حيث أراد أن يتعامل مع القوى العربية باعتبارها تفاصيل يمكن إدارتها وعن بعد. لكن، وبعد انتهاء الأشهر الثلاثة الأولى من حكمه، تراجعت الإدارة الأميركية عن سياساتها وأعادت، بفعل الثبات العربي المصري- السعودي وضع الأمور في نصابها بطريقة أفضل من السابق وقد ظهر ذلك في الموقف الأميركي من مختلف الملفات في إثيوبيا واليمن والعراق وشرق المتوسط.