يعقد غداً في باريس مؤتمر دولي لدعم الجيش، وهو مبادرة فرنسية، بطلب لبناني، تهدف الى تقديم مساعدات عينية للجيش تأكيداً لرغبة الدول المشاركة في استمرار الحد الادنى من الاستقرار، وإبقاء الجيش على قيد الحياة.
الثانية بعد ظهر غد بتوقيت باريس، ينعقد (إلكترونياً) المؤتمر الدولي لدعم الجيش، بمبادرة فرنسية ورعاية الامم المتحدة، أثمرت عنها زيارة قائد الجيش العماد جوزف عون لفرنسا أخيراً. وقد التقى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون قائد الجيش وأعطى توجيهاته في ما يتعلق بالموقف الرسمي اللبناني من ضرورة تأمين الدعم الذي تحتاج إليه المؤسسة العسكرية لتحسين ظروف العسكريين. ويتمثل لبنان في المؤتمر بوزيرة الدفاع والخارجية بالوكالة زينة عكر، وقائد الجيش الذي تحدث أمس عن المؤتمر، وقال إن «الجيش هو المؤسسة الوحيدة التي لا تزال تقف على رجليها، ويجب المحافظة عليها. والشعب يحبنا وهو معنا والمجتمع الدولي معنا، ولن نفرّط في هذا الامر ويجب ان نكون على قدر المسؤولية». وتستكمل اليوم لائحة المشاركين فيما أكد بعض الدول حضوره ورغبته في تقديم المساعدات، علماً بأن باريس تنسق مع روما لعقد المؤتمر وتأمين آليات الدعم له، وشملت الدعوات التي وجهتها فرنسا المجموعة الدولية الداعمة للبنان، والتي تضم دولاً عربية وروسيا والصين والولايات المتحدة وكندا والمانيا وبريطانيا وعدداً من الدول الاوروبية.
لا يشبه المؤتمر الحالي مؤتمر روما الذي عقد عام 2018، او اي مساعدات عسكرية سبق لدول كايطاليا وفرنسا والولايات المتحدة وبريطانيا تقديمها. فهذه الدول لا تزال تقدم مساعدات لوجيستية في اطار تأمين المستلزمات العسكرية، ضمن البرامج الروتينية. ولا يتعلق جدول اعماله كذلك بعناوين سياسية وامنية كبرى كمكافحة الارهاب والنازحين السوريين؛ اذ قد تكون المرة الاولى في تاريخ الجيش اللبناني، او حتى الجيوش التقليدية، التي يعقد فيها مؤتمر للحصول على مساعدات غذائية وطبية ومدرسية لتأمين الحد الادنى من المعيشة اللائقة للعسكريين، اضافة الى الشق التقني.
فمنذ انفجار الرابع من آب، وما تلاه من انهيار في الليرة ما انعكس على رواتب العسكريين والتقديمات الاجتماعية والصحية والمدرسية لهم، بدأت المساعدات الغذائية تصل الى الجيش، وهي توزعت: من فرنسا 2200 حصة غذائية بقيمة خمسين الف دولار و76 الف وجبة جاهزة، وتركيا مساعدات غذائية بقيمة 200 الف دولار، الاردن 40 طنا، المغرب 80 طنا، الكويت 40 طنا، سلطنة عمان 120 طنا، والامارات 344 طنا، ومصر التي ترسل حاليا نحو 300 طن من المساعدات الغذائية، علماً أنها قدمت سابقاً مساعدات غذائية وطبية، اضافة الى المساعدة النقدية العراقية بقيمة مليوني دولار التي خصص القسم الاكبر منها للطبابة، ومن اسبانيا مساعدات طبية بقيمة 250 الف يورو.
يحتاج الجيش الى ما قيمته سنويا 100 مليون دولار مقسمة على 40 مليون دولار طبابة، والبقية موزعة بين رواتب ومدارس ومواد غذائية. وما يطلبه الجيش من المؤتمر ينقسم الى اربعة اقسام: الطبابة والغذاء والمحروقات، ومساعدات تقنية تتعلق بحاجات اساسية لوجيستية. وفي هذا الشق يعول الجيش على تأمين قطع غيار لمعداته وآلياته من الدول المشاركة، والتي سبق للجيش ان حصل على آليات واسلحة منها، كفرنسا وايطاليا.
لكن يبقى العنصر الاساسي تأمين حياة العسكريين اليومية. فالكلام الديبلوماسي العربي والغربي مع الجيش في لبنان وخارجه، يتمحور حول تأمين الاستقرار للبنان، وعدم السماح باستغلال الاوضاع الاقتصادية والمالية لاحداث توترات امنية. وهذا لن يتحقق ما دام العسكريون يعيشون في ضائقة مالية، وعاجزين عن تأمين ادويتهم وطبابتهم لهم ولعائلاتهم. من هنا جاءت المساعدة العراقية، لتساهم في تعزيز الطبابة بالحد المقبول ، فتأمنت حاليا للعسكريين الطبابة والادوية في المستوصفات العسكرية والمستشفى العسكري والمستشفيات التي يتم التعاقد معها، ما أزاح جزءاً اساسياً من الاعباء اليومية.
تبقى مشكلة الرواتب؛ اذ طرحت فكرة تأمين مساعدات نقدية لتعويض رواتب العسكريين (بين مئة ومئتي دولار)، بعد انهيار سعر الليرة. وهذا الامر لا يزال قيد النقاش، وسيكون رهنا بنتائج المؤتمر ومدى التمكن من تأمين مبالغ نقدية مباشرة من الدول المشاركة، علماً بأن حل مشكلة تعزيز الرواتب يشكل جزءاً اساسياً من مجمل المشاكل التي تواجه الجيش، في وقت تعاني فيه ايضاً الاسلاك الامنية والعسكرية الاخرى والقطاع العام من المشكلة ذاتها، علماً بأن تدهور رواتب العسكريين بات يؤدي الى مطالبة البعض بأذونات الانقطاع من الخدمة. وحالياً يسمح الجيش، على عكس اجهزة امنية اخرى، بهذه الاذونات، ولا سيما ان عددها لا يزال مقبولا قياسا الى عديده.
وفي مقابل الحشد الفرنسي لتأمين دعم مالي دولي، ولا سيما من دول الخليج، يهتم بعض الدوائر الديبلوماسية بالمظهر اليومي وأداء بعض الضباط، في هذه الظروف الحياتية، سواء من خلال حياتهم اليومية أم مواكبهم الفضفاضة أم استعانتهم بعسكريين للخدمة المنزلية ومرافقة عائلاتهم، وحتى في استعراضهم الباذخ في الاماكن العامة. فاذا كانت الظروف الحياتية السابقة تسمح بمظاهر غير موجودة في اي جيش في دول العالم، فإنها تصبح نافرة في الظروف الراهنة، وفي خضم مطالبة الجيش بمساعدات انسانية. الا ان الجيش اتخذ منذ اشهر اجراءات داخلية وتدابير عملانية بتخفيف المواكب وتخفيض عديد المرافقين، والطلب الى الضباط مراعاة الاوضاع المعيشية الحالية وظروف عسكرييهم. وهو يراجع دورياً هذه الاجراءات ويتشدد في ملاحقة كل ما من شأنه إثارة أي انتقادات.