Advertise here

الثّقافة

14 حزيران 2021 15:11:12

إنَّ التّطوّرَ الّذي رافقَ العصورَ، قدْ نتجَ عنْه إبداعٌ حسّنَ المستوى الثّقافيَّ بينَ المجتمعاتِ وداخلَ المجتمعِ الواحدِ، لذا الثّقافةُ حصيلةُ إبداعِ لدى الشّعوبِ والأممِ، وصقلُ أفكارٍ لتقدّمَ للوجودِ ثقافةً واعيةً. الثّقافةُ هي ما تبقّى بعدَ أنْ تنسى كلَّ ما تعلمْتَه في المدرسةِ (ألبرت أينشتاين)، الثّقافةُ جوهرٌ وأساسٌ لحياةِ الإنسانِ الّتي يورثُها بالفطرةِ والدّربةِ نتيجةَ انتمائِه لمجتمعٍ ما، الثّقافة خَلْقٌ مستمرٌّ للذّاتِ، هيَ اتّحادُ العقلِ معَ الرّوحِ، فلا يمكنُ للإنسانِ أنْ يعيشَ دونَ انتماءٍ إلى مجتمعٍ لأنَّ المجتمعَ يكسبُه ثقافةً وتطوّرًا وتقاليدَ موروثةً، إنَّ الشّعبَ يعبّرُ عنْ هويّتِه منْ خلالِ ثقافتِه، بقدرِ ما كانَتْ ثقافتُهُ مميّزةً ومصقولةً، وهويّتُه واضحةً، لتغدوَ موضعَ فخرِ وعزةٍ. فهلِ العلاقةُ الصّحيحةُ هيَ علاقةُ تصادمٍ أمْ علاقةُ تحاورٍ؟

إنَّ الثّقافةَ إذًا، نتاجُ صقلِ فكرِ الإنسانِ وعصارةُ إبداعِه اللّامتناهٍ. الثّقافةُ لا حدودَ لَها، فكلَّما استَخْدَمْتَ الثّقافةَ زادَتْ أملاكُك المعرفيّةُ ومعارفُك، لأنَّ الثّقافةَ أساسٌ تتغذَّى  بِها أفكارُنا. لذا الثّقافةُ الصّحيحةُ لا يمكنُ أنْ تكونَ علاقةَ إقصاءٍ لأنَّها  تعبيرٌ عنْ إشراقِ ملكاتِ العقلِ والعاطفةِ والخيالِ لدى النّاسِ، هيَ هويّةُ الشّعبِ وأدبُه الأصيلُ ونتاجُه وعلمُه وتطوّرُ اللّغةِ والعاطفةِ لديه، وهذهِ الملكاتُ هيَ هويّةُ الشّعوبِ الّتي لطالما ميّزَتِ الثّقافاتِ عنْ بعضِها، وهيَ سببُ تقدّمِه وبلوغِه درجاتٍ مرموقةً منَ الحضارةِ. فالأديبُ لا يمكنُه أنْ يكتبَ نصًّا أدبيًّا بامتيازٍ إنْ كانَ هوَ في معزلٍ عنْ مجتمعِه، لأنَّه يكتبُ منْ حياتِه اليوميّةِ ناقلًا مشاكلَ مجتمعِه، ما يعني أنَّ الثّقافةَ تعبيرٌ عنْ أهلِها ورقيِّ أهلِها أوِ انحدارِهم. الثّقافةُ الّتي تحلمُ بالتّصادمِ هيَ ثقافةٌ متحجّرةٌ، مصيرُها الفشلُ، فهيَ ضيّقةُ الأفقِ قصيرةُ المدى، تحملُ بينَ طيّاتِها سبلَ اندثارِها باعتبارِ أنَّ الفشلَ الثّقافيَّ هوَ الكلامُ منْ غيرِ حكمةٍ. 

إنَّ الإنفتاحَ والتّطوّرَ ومشاركةَ الآخرِ، عواملُ توصلُ إلى  ثقافةٍ حقيقيّةٍ، وتؤدّي إلى خلاصِ الإنسانيّةِ وسعادتِها. فكلُّ ثقافةٍ تحصلُ منْ مزيجٍ تراكميٍّ منْ ثقافاتٍ وخبراتٍ لشعوبٍ عربيةٍ وغربيّةٍ، ومنْ ثقافاتٍ أعجميّةٍ ويونانيّةٍ وأوروبيّةٍ ولاتينيّة وإغريقيّة وأميركيّةٍ وغيرِها. إذْ إنَّ الانفتاحَ  يبدّدُ الفروقاتِ. فازرعِ الثّقافةَ في نفسِك لتزهرَ أوراقُك وتثمرَ نجاحًا.

بناءً على ما ذُكِرَ، الثّقافةُ صفةٌ يمتلكُها الإنسانُ منْ خلالِ معرفتِه وفضولِه  لإثباتِ وجودِه في هذا المجتمعِ، والحرصِ على طموحاتِه وكيفيّةِ الوصولِ إليْها، لكنْ للأسفِ نحنُ اليومَ نعيشُ في عالمٍ أصبحَتِ الثّقافةُ فيْه شبهَ معدومةٍ وليسَتْ منَ الأولويّاتِ في حياةِ المجتمعِ، لا سيَّما على صعيدِ الإعلامِ لأنَّها المرجعُ الأساسيُّ للفكرِ والثّقافةِ والاستطلاعِ. لذلِكَ أصبحَ الإعلامُ أزمةً والثّقافةُ أزمةً مأزومةً بالفكرِ الّذي لا يساعدُ العالمَ ليصبحَ عالمًا والإنسانَ لتحقيقِ إنسانيّتِه. إنَّ الثّقافةَ المزيفةَ تؤدّي بالمجتمعاتِ إلى الانحدارِ والسِّقطة والإلغاءِ لأنَّها تستندُ على التّخلّفِ والتّبعيّةِ والانطواءِ، لذا علينا أنْ نقصيَها ونبتعدَ عنْها، وثقافةُ الانفتاحِ ولغةُ التّحاورِ توصلُ المجتمعاتِ إلى الرّقيِّ والتّطوّرِ. فعلينا أنْ نعتمدَها منهجًا لنا، لكنْ، هل يعي قادةُ الشّعوبِ وقادةُ الفكرِ هذهِ الحقيقةَ فيعملوا على  تعزيزِ ثقافةِ الحوارِ والاندماجِ والتّواصلِ معَ الآخرِ منْ أجلِ خلاصِ الإنسانيّةِ وسعادتِها؟!

 
هذه الصفحة مخصّصة لنشر الآراء والمقالات الواردة إلى جريدة "الأنبـاء".