بدأ الحديث يتصاعد بشكلٍ تدريجي عن الانتخابات النيابية، تارةً بالحديث عن تشكيل حكومة انتخابات، وطوراً عن إجراء انتخابات مبكرة في ظل العجز عن تشكيل حكومة مهمة، كما وصفتها المبادرة الفرنسية، والتي لم تبصر النور.
ويبدو أنّ بعض القوى السياسية، أو الأحزاب، قد شرعت في تشكيل نواة ماكيناتها الانتخابية، وربما فاتها الانتباه إلى قراءة المتغيّرات التي حدثت، والأزمة الاقتصادية التي انعكست على اللبنانيين بشكلٍ كامل، وقلبت أسلوب حياتهم رأساً على عقب.
صحيحٌ أنّ الإنقسام في لبنان هو عاموديٌ وأفقي، لكن هنالك شريحة واسعة من المواطنين تقف على مسافة واحدة من كافة الأطراف السياسية، وهذه الشريحة آلت على نفسها عدم الانجرار وراء أي طرف، وفضّلت الانكفاء في منازلها في الفترات السابقة، لكن هذا لا يشير إلى أنّها ستبقى مكتوفة اليدين بعد ما حدث مؤخراً في لبنان، إذ أنها تحمِّل المسؤولية لكل من شارك في الحكم في ما وصلنا إليه. حتى أنّ هنالك تململ لدى كافة الجماهير الحزبية التي تعاني الأمرّين نتيجة الوضع المعيشي. والخطورة تكمن أن لا أفق للحلول المطروحة، حتى وإن تشكّلت حكومة في المدى المنظور فإنها ستقف عاجزةً عن إيجاد حلول لوقف الانهيار الشامل. كما وأنّ الخطورة تكمن في عدم قدرة أي طرف على توصيف ما يجري، وحتى عدم القدرة على وضع أي تصورٍ لما يُمكن أن يحدث لاحقاً.
أمام هذه الصورة السوداوية لا يمكن التعاطي مع الناس بأسلوب وذهنية التعاطي فيما مضى. فالناس ذاقت الأمرَّين، ولم تعد تتطلّع إلى المواقف والأحداث التي طوتها السنين، وبالتالي أي تحريك للعصبيّات لن يجدي نفعاً، خاصة وأنّ جيل الشباب لا يأبه للتاريخ الذي مضى، بل يعيش الحاضر بكل مآسيه ويتطلع للمستقبل، والناس التي لا تستفيد من كبار القوم، والتي لا تصفّق على عماها ولا تسير خلف العواطف والعصبيّات أصبح لديها حساباتها الخاصة وآراؤها التي لا تداري فيها أحداً.
من هنا فإنّ دخول أي طرف دون برامج انتخابية واضحة هو دخول في المجهول. واختيار نواب غير مؤهلين ضمن لوائح، دون الحصول على الثقة الشعبية، هو إشارة لحصد الخسائر. لا بدّ من الصراحة والوضوح التام مع الرأي العام، ولا بدّ من تحمّل مسؤولية ما يحصل وفق نسبة المشاركة في الحكم.
إن أي تحركٍ انتخابي لا يراعي التطورات التي حصلت ويأخذها في الحسبان هو بمثابة الدخول في نفقٍ مجهول قد ينال فيها الضربة القاضية.
إن ما يعيشه اللبنانيون حالياً ليس بالأمر السهل، وإذا كان الانقسام المذهبي لا يوحّد بوصلة أهداف التحرّكات، فإن الشعور العام بالغضب والكراهية والمحاسبة من قِبل المواطنين لكل من شارك في الحكم ليس سراً ولا مخفياً، ولا بد من التعاطي معه بفكرٍ منفتحٍ، وعقلٍ متنور، وشفافية كاملة. وأهمّ ما في الأمر أنّه لا مكان لتركيب الطرابيش كما كان يحصل في السابق، لأنّ الآراء والأفكار والتوجّهات تغيّرت لدى المواطنين الذين لمسوا بوضوح أن الدولة التي عاشوا فيها هي من كرتون، وتهاوت بفضل سياسة اقتسام الجبنة بين كل من شارك في الحكم، وإن كان في حصصٍ ونِسَبٍ مختلفة.
*رئيس جمعية كمال جنبلاط الفكرية