Advertise here

حكومة جديدة في اسرائيل.... هل تنهي دور نتنياهو؟

11 حزيران 2021 11:09:26

يصوّت الكنيست الإسرائيلي يوم الأحد على تشكيلة الحكومة الجديدة التي تضم ائتلافاً هشاً متنوعاً يضم طرفي التطرف يميناً ويساراً، إضافةً إلى أحزاب الوسط الإسرائيلي والكتلة العربية، التي تمثّل تيار الإخوان المسلمين المتشدد. وإذا حصلت الحكومة الائتلافية على موافقة البرلمان، فستؤدي اليمين في اليوم نفسه لتنهي بذلك فترة حكم نتنياهو الذي تولى منصب رئيس الوزراء لمدة 12 عاماً متصلة، وحشد خلفه معسكر اليمين المتضخم، وقاد السياسة الإسرائيلية إلى أقصى اليمين المتطرف، وأدخلها في مآزق داخلية كبيرة، منها تعثّر تشكيل الحكومة والذهاب إلى الانتخابات المبكرة ثلاث مرات، كما نجح في الدمج بين مصالحه الشخصية، ونزعته الفردية باعتبار نفسه أحد ملوك إسرائيل، وبين أهداف اليمين الإسرائيلي المتطرف، وبين أهداف المستوى السياسي والأمني والعسكري الإسرائيلي الذي يلتزم شعار لا لحل الدولتين (نعم للسيطرة على فلسطين التاريخية، نعم للفصل الديموغرافي العنصري، ويهودية الدولة، والمفاوضات مع الفلسطينيين على شيء من الحكم الذاتي لتأمين مستوى في الحياة يناسبهم، دون السيادة على الأرض). هذا النهج السياسي الذي سلكه نتنياهو والذي يعبّر عن رأي غالبية المجتمع اليهودي، سوف يستمر مع الرئيس الجديد القومي المتشدد نفتالي بينت، الذي لن يتراجع أيضاً عن مشروع تهويد وضم القدس، ولا عن سياسة اقتطاع أجزاء جديدة من الضفة الغربية وضمّها الى إسرائيل، ولا عن توسيع سياسة الاستيطان.

هناك من يقول الآن أنّ الائتلاف الجديد  الذي تشكّل نتيجة انتقال كتلة نفتالي بينت الأكثر تشدداً وتطرفاً وعنصرية في معاداة أوسلو، ومعاداة الفلسطينيين داخل إسرائيل وخارجها في الضفة الغربية وغزة، والذي لعب دوراً رئيساً في تخريب المفاوضات الإسرائيلية – الفلسطينية، والتي كان آخرها في عهد الرئيس باراك أوباما ووزير خارجيته جون كيري، وأقفلت بعدها جولات المفاوضات، وهو الذي كان يقف على يمين نتنياهو، وانتقاله المفاجئ إلى معسكر اليسار لإعادة تشكيل الخارطة السياسية الإسرائيلية، ما كان ليتم دون مظلة أميركية مرتبطة بالإدارة الحالية تحديداً، لأنّه من الصعب الإقرار بأن مثل هذا الانتقال يرتبط فقط بحسابات وتسويات داخلية إسرائيلية، ولا علاقة لهذا الانتقال بالأيديولوجيا الفكرية لبينت، ولا بطموحه في قيادة إسرائيل، فالسياسات الإسرائيلية الداخلية لم تشهد مثل هذا الانتقال من معسكر إلى آخر.

من جهة أخرى فإنّ وجود القائمة العربية الموحّدة التي تضم الإخوان المسلمين- الجناح الجنوبي، ضمن اتفاق حول قضايا مطلبية لها علاقة بالموازنات والبلديات والقرى، وغيرها من العناوين المطلبية، لم يحصل في زمن الوجود القوي لمعسكر السلام حيث كانت القائمة العربية أيضاً فاعلة، كما كان معسكر السلام الفلسطيني قوياً، ومع ذلك بقيت أصوات النواب العرب في الكنيست تدعم الحكومات اليسارية الإسرائيلية من خارجها، ولم يجرؤ أي حزب من يسار الصهيونية، بما فيه حزب "ميريت"، أن يعقد اتفاقاً لتشكيل حكومة مع القائمة العربية. فهذا الانتقال في الاتجاهات السياسية المفصلية لا يمكن قراءته بشكل بسيط وسطحي واعتبارها جزءاً من الصراع التنافسي داخل مجتمع عرب الداخل للحصول على بعض المطالب المهمة في حياة الفلسطينيين في إسرائيل، دون وجود المظلة الأميركية.

هذا الانتقال ما كان ليتم دون استعمال مختلف أشكال النفوذ والسيطرة والهيمنة الأميركية، والاستثمار السياسي للقيادة عن بُعد التي اعتمدها الرئيس باراك أوباما أثناء حكمه، بحيث يتكرّر المشهد داخل إسرائيل الآن. فالتحدي الشرس الذي خاضه نتنياهو ضد الديمقراطيين تحديداً، والرئيس (بايدن) من على أعلى مقعد داخل منصة الكونغرس، دون إعلامه أو حتى استئذانه، ومعارضته لسياسة الرئيس بايدن، دفعت وفق مصادر متابعة للعلاقات الأميركية- الإسرائيلية، إلى التدخل الأميركي في تشكيل لوحة المشهد السياسي في إسرائيل. وهذه ليست المرة الأولى التي تتدخل فيها دوائر البيت الأبيض بالشأن الداخلي الإسرائيلي، ففي انتخابات العام 1999 الإسرائيلية، فاز يهودا باراك على نتنياهو الذي ترأس أول حكومة له بعد انتخابات 1996، منتصراً على حزب العمل بقيادة شمعون بيريز الذي خلف إسحاق رابين، والذي وقّع اتفاق أوسلو قبل مقتله على يد أحد المتشدّدين اليهود. وكان شعار نتنياهو في حملته الانتخابية إسقاط اتفاق أوسلو، وكان على صدام مع إدارة بيل كلينتون الديمقراطية، والتي سرعان ما ردّت له الصاع صاعين عام 1999، حيث تدخّل البيت الأبيض عبر خبراء صناعة الرأي العام الذين قدِموا من الولايات المتحدة الأميركية إلى إسرائيل قبل الانتخابات، ولعبوا دوراً مهماً في فوز باراك وهزيمة نتنياهو، وذلك تحت شعار متابعة تنفيذ اتفاق أوسلو. لكن الهدف الأهم في هذا التدخل، كان تأكيد الدور الأميركي الحاسم، وثقيل الوزن، في تشكيل المشهد السياسي في إسرائيل، وإيصال رئيس وزراء يتوافق مع سياسة الإدارة الأميركية في ذلك الحين.

من هنا يمكن القول، إنّ الإدارة الأميركية الحالية التي تعاملت بطريقة خشنة مع نتنياهو هي من مهّد، وسعى، ودعم السير في تشكيل هذه اللوحة السياسية الجديدة لإسرائيل، من خلال التحالف الحالي الذي شكّل انتقال كتلة نفتالي- بينت، الأكثر تطرفاً، والأكثر يمينية، والأكثر تمثيلاً للمستوطنين، والأكثر تمثيلاً للعنصرية ضد العرب داخل إسرائيل والعرب الفلسطينيين،  النقطة الحاسمة فيه، وخاصة قبوله بالتحالف مع التكتل العربي المنتمي إلى فكر الإخوان المسلمين. 

إضافة إلى المشهد الإسرائيلي، لا بد من النظر أيضاً إلى الخلاف حول الملف النووي الإيراني، وارتباطه العميق في تباين السياسة الإسرائيلية - الأميركية، ورؤية إسرائيل لدورها في الشرق الأوسط، وموقعها في ملء الفراغ الذي يمكن أن يحصل إذا ما قرّرت القوات الأميركية الانسحاب من المنطقة. وبالتالي فالتنافس شرس بين القوى الإقليمية المهيمنة على الشرق الأوسط (إسرائيل – تركيا – إيران)، التي تترقب تطورات المفاوضات النووية الأميركية – الإيرانية، والمساعي الأميركية – الأممية لمحاولة وقف الحرب في اليمن، فضلاً عن ما يدور في العراق من صراع نفوذ بين القوى الوطنية العربية العراقية، والقوى المتحالفة مع إيران، والتي ستقرر وجه ومكانة العراق في المشهد الإقليمي الجديد، إضافةً إلى ما يجري في سوريا من عروض للمساومة والتي تقدّمها روسيا إلى دول الخليج العربي، بما فيها المساومة على رأس النظام رغم الانتخابات الأخيرة، إضافةً إلى قوة حزب الله الصاروخية، وتأثيرها في العمق الإسرائيلي إذا ما تمّت مقارنتها مع الاختراقات الدقيقة التي حقّقتها صواريخ حماس في غزة في القبة الحديدية. هذا الملف سوف يكون حاضراً في إسرائيل في المرحلة المقبلة، وله مفاعيله أيضاً على الحكومة الجديدة التي سوف تواجه معارضةً شرسة داخل إسرائيل لتقصير عمرها إلى أيام، أو أسابيع، أو أشهر، إذا قرّر نتنياهو تزعّم قوى المعارضة، واستنفد وسائل التحدي للإدارة الأميركية، وهو الذي يعرف خفايا وألاعيب السياسة الداخلية في بلاده، وربما لا يحتاج للكثير من العناء كي يعيد قلب المشهد رأساً على عقب وفرط الحكومة المستجدة. فاستمالة ثلاثة، أو أربعة نواب في الكنيست على قضية ذات بُعد استراتيجي لا يستطيع أحد تجاهلها، ما يؤشّر إلى أنّه ثمة منعطفاً سياسياً تدخله المنطقة لا يوحي بالثقة، ولا يؤسّس لمرحلة من الاستقرار، ليس في إسرائيل فقط بل في المنطقة بأكملها.
 
وهذا التحول مرتبطٌ أيضاً بصراعٍ وجدلٍ حاد داخل النخب السياسية والاقتصادية الأميركية، حول مكانة إسرائيل ودورها في الحياة الداخلية الأميركية، وفي سياساتها الخارجية، وتحديداً في الشرق الأوسط.