Advertise here

الهاوية الوطنية

08 حزيران 2021 11:12:49

يتّجه الوطن نحو هاويةٍ خطيرة، ونتائجها أكبر من الوضع الاقتصادي المنهار، وذلّها أكبر من الانتظار في طوابير البنزين.

يتّجه الوطن إلى غيابه، ويحتضر رويداً رويداً، وتموت معه ملامح وجه لُبنان الحقيقي، وتترهّل الحضارة والتقدم، والصورة الجامعة لهذا الوطن الذي كان ملقى الجميع وصديق الجميع. يتّجه ليكون ذو لونٍ أحاديٍ، ونظرة فئوية، وهوية غير عربية لُبنانية. 

وفيما الشعب اللُبناني أصبح همّه اليومي الدولار ولقمة العيش، يفقد الوطن وطناً، وكل ما سجّله من خسائر وسقوط منذ سنة 2019 يعتبر نجاحاً وصعوداً نحو الهدف لجهةٍ معينة... جهةٍ خارجية. 

وخارجاً عن إطار مركز الرئاسة، ومَن سوف يكون الرئيس في المستقبل، وبعيداً عن تشكيل حكومةٍ باسمٍ معيّن أو من دونه، علماً أننا في حكومة تصريف أعمال تستطيع أن تعمل بالحد الأدنى لحماية أمن البلد الاقتصادي والاجتماعي، وهم موظفون يقبضون أجراً ثمناً للتصريف، إنّما هذه الحلقة هي حلقة فارغة تدور وتدور بهدف إضاعة الوقت. وبقدر ما تشكيل الحكومة مهمٌ لتدارك الانهيار إلّا أنّ المطلوب من أي حكومة هو أقل، لا أكثر، على صعيد المتحكّمين في البلاد. فالتطلع أقرب لأن يكون واضحاً: "وداعاً سويسرا لبنان" واستعدوا للترحيب ب"يمن لُبنان ". 

أي حكومة قادرةٍ على وقف التهريب هي حكومة ميتة قبل الولادة، وأي حكومةٍ وزير عدلها يستقل بالقضاء كما يجب أن يكون القضاء هي حكومة تولد ميتة. ومهما حاولنا أن نعطي أملاً لا يحق لنا أن نطمح بغير حكومةٍ تهتم بسعر ربطة الخبز، وتحافظ على أقل شيء من المواد الأولية والدواء، وبهذا يصبح شعب لُبنان العظيم شعب تصريف أعمال، مثله مثل الحكومة الحالية. 

اليوم، وفي خضم التدهور الاقتصادي يفقد المواطن أغلب ما كان يستهلك من المحال التجارية، وتحل مكانها مواد من دول عربية تخضع لعقوبات لا يحق لها بتصدير أو استيراد شيء. ولكن مَن عمل لأن يدمّر اقتصادنا كان هدفه إسناد اقتصاده "المعاقَب"، فيتحوّل الوطن الذي كان وصلة الشرق بالغرب إلى سوقٍ سوداء كبيرة، وفيها يُباع كل شيء، وأي شيء، تماماً كالمناطق الموجودة في أميركا اللّاتينية وأفريقيا.

 اقترِب وخذ ما تشاء، لكن ادفع لنا بالولاء! هذا حال وطننا الذي كان في الماضي الوجهة السياحية الأولى للخليج العربي. هنا وفي هذا الشرق الأوسط أصبحنا في بلدٍ لو سرتَ فيه سيراً على الأقدام، وسألت المارة والعمال عن تراث البلد وتاريخ المنطقة، لكان الجواب، "لا ندري، نحن لسنا من هنا".

لا الشعب من هنا، ولا المواد المستهلكة من هنا، ولا العمال وأصحاب المحال من هنا، ولا القرار السياسي أو العسكري من هنا. تمّ الاحتلال، ولم يبقَ سوى إعلانه، ولا حلّ لنا كشعبٍ لُبناني إلّا المطالبة بالوطن قبل المطالبة بأي شيءٍ آخر...

 من دون وطن لا نملك شيئاً. من دون وطن لا يحق لنا أن نطالب بشيء.

 
هذه الصفحة مخصّصة لنشر الآراء والمقالات الواردة إلى جريدة "الأنبـاء".