Advertise here

اليسار الإنساني وشيوخ جراح بلاد الشام

07 حزيران 2021 19:41:57

إنتسبت مطلع السبعينات الى الحزب التقدمي الإشتراكي وكان شعار الحزب "مواطن حر وشعب سعيد" وكنت أشعر بالحرج أمام شعارات الأحزاب الأيديولوجية والثورية، وكنت اتمنى لو ان الحزب الإشتراكي يقوم بتصحيح الشعار لأنني كنت أعتبر السعادة قضية غير سياسية، واليوم بعد نصف قرن أدركت عمق العبقرية الإستشرافية لواضع ذلك الشعار السياسي الإنساني بعد ثبوت أن سعادة الإنسان أصعب وأقدس الأهداف، حيث يشهد الخطاب السياسي العالمي إستخدام مكثف للمصطلحات الإنسانية، ويأتي تجديد الوثائق الإنسانية في مقدمة جدول أعمال القمم العالمية التي ستنعقد في الأيام القادمة والهادفة لإعادة بناء نظام عالمي يقوده يسار إنساني جديد بعد أن تجاوزت مخاطر الأحادية والأحيائيات الدينية والعرقية العنصرية كل سلبيات المظلوميات الرأسمالية الطبقية واصبحت تطال كل البشرية وتدمر البيئات المدنية والطبيعية. 

 قبل أربعة عقود تابعت بترقب شديد مع عموم اللبنانيين وأبناء الطائفة السنية بشكل خاص حضور مؤسسة الحريري في الواقع اللبناني الشديد البؤس بعد الاجتياح الاسرائيلي عام 82، وكيف كانت تقدم المنح الدراسية الجامعية المحلية والعالمية والمساعدات الانسانية والانمائية من دون شروط او التزامات، وكنت اعتقد انه من الضروري الزام المستيفدين برد القروض او بالتابعية السياسية كما كان يحصل مع الاحزاب التي كانت تقدم المنح الى الدول الاشتراكية، ومع وبلوغنا اليوم عتبة الانهيار المعيشي الذي يهدد استقرارنا وامننا الاجتماعي ووجودنا الانساني نتيجة التوحش الطائفي والعشق السلطوي والعنصري ومع تقاطر الوصايات الارتجالية الاقليمية والدولية، مما جعلني ادرك اهمية النموذج الذي جسدته تجربة مؤسسة الحريري في تجديد معنى الشأن العام وان السياسة هي حب الناس وهي كرم وعطاء وكيف ان السلطة هي حب الذات وبخل وادعاء واحتقار للناس، مما يجعل من تجربة مؤسسة الحريري نموذجاً ناجحاً لليسار الانساني الجديد. 

تابعت بدقة تكون الواقع السلطوي بين 8 و14 على قاعدة تقاسم السلطة واعادة عقارب الساعة الى الوراء على حساب الانسيابية العفوية المستقبلية عبر تجديد عملية الانصهار الوطني الانساني واعادة الاعمار واستعادة ثروة لبنان الانسانية بعودة اللبنانيين من دول الانتشار، بعد ان شهدنا سنوات من التفاعل والنهوض والتجديد في كافة المجالات وان هناك مستقبلاً واعداً ينتظر الاجيال رغم عقبات سياسات ادارة الازمات، ولكن الدوافع الذاتية الانتقامية والثأرية والرغبات الضمنية بالخلاص من التجربة الانسيابية المستقبلية لدى العديد من الذين نجحوا في جني المكاسب السياسية على حساب خسارة الدماء وساهموا ايضا في صناعة الحرب الاهلية الباردة الحالية الحكومية والاقتصادية والاجتماعية المدمرة عبر الانشقاقات والانقلابات وتجديد الخصوصيات الطائفية والمذهبية والمليشياوية والاستقواء بالاستتباعات الخارجية. 

 منذ 5 حزيران عامي 67 و82 انها المرة الاولى التي اشعر فيها بشيء من السعادة والامل لأن (بنيامين نتنياهو) احد وحوش صناعة العنف العنصري في مجتمعات بلاد الشام، هو يتذوق الان في ذكرى احتلال القدس اليوم السبت 5 حزيران مرارة (النكسة) السياسية ويعبر عن هواجسه اليمينية العنصرية من تعاظم اليسار الانساني في احياء ومدن وقرى شيوخ جراح بلاد الشام التي وجهت ندائها الى احرار العالم للسير بالاتجاه الصحيح نحو تكوين يسار انساني عالمي جديد في مواجهة يمين عنصري استبدادي غير انساني .