Advertise here

وليد جنبلاط في مواجهة "موت لبنان الكبير"

07 حزيران 2021 11:57:48 - آخر تحديث: 07 حزيران 2021 16:12:14

يستقبل رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط زواره في دارته في كليمنصو، شخصيةً تلو الأخرى، ومعهم يحاول تحليل موازين القوى في العالم، الشرق الأوسط ولبنان.

جنبلاط الذي ينتابه شعور بالحزن منذ سنوات، ينظر إلى العالم باللون الأسود، ويخشى أن يرى "لبنانه" يختفي، مع تبدّد الإخفاقات وبسبب حسابات عدد قليل من القوى العظمى. وما يميّز جنبلاط في الطبقة السياسية التقليدية هو الوضوح الشديد، وميله إلى المعادلات المدروسة جيدًا والتي تنغرس في ذهن الآخر. وهو منذ أسابيع يكرّر أمام من يلتقيهم أنّ "لبنان الذي كنّا نعرفه قد مات. ويكمن السؤال الآن بمعرفة ما سيكون عليه لبنان الغد". 

ومن شغفه بالتاريخ، يبحث جنبلاط عن إجابات للأزمات الراهنة من خلال أحداث الماضي. ومستوحيًا من كتاب لينين "ماذا أفعل؟"، يسأل جنبلاط: "إلى أين نحن ذاهبون؟"، وهو سؤال يلخّص المعاناة الوجودية لبلد بأكمله وهوس الرجل الذي شهد غرق البلاد، مدركًا أنّه مسؤول بشكل جزئي عمّا آلت إليه الأوضاع. 

لبنان الصغير
تشاؤم جنبلاط بلغ ذروته في العام 2014، فهو كان يرغب بمشاهدة انتصار الثورة السورية وإسقاط النظام المسؤول عن اغتيال والده، يُدرك أنّ اللعبة قد انتهت، إذ أنّ توسع تنظيم "داعش" بين سوريا والعراق يغيّر قواعد اللعبة ويهدد لبنان، مع محاولة لدفن اتفاقية سايكس بيكو. وبعد عام من تلك الأحداث، برزت معادلة جديدة وهي اتفاق "كيري - ظريف"، أي الاتفاق النووي بين واشنطن وطهران، والذي مهّد له وزيرا الخارجية الأميركي جون كيري والإيراني محمد جواد ظريف. 

وبالنسبة لوليد جنبلاط "كانت هذه بداية نهاية لبنان الكبير".  وقد قال حينها: "يوجد الآن لبنان كبير آخر ولبنان صغير". وكان يشير بـ"لبنان الكبير الآخر" إلى توسع "حزب الله" في سوريا. أمّا "لبنان الصغير" فهو صورة رمزية يشير من خلالها جنبلاط إلى ابتلاع البلاد "سياسيًا" من قبل "محافظة اللاذقية"، معقل العلويين في سوريا.
 
ويحاول جنبلاط انتقاد الذين يتبنون تحالف الأقليات الذي يتضمّن وجود شراكة بين المسيحيين والعلويين والشيعة، تحاول أن تطوّق الدروز لضمّهم إلى المحور نفسه. ومن هذا المنطلق، قرأ جنبلاط حادثة قبرشمون في 30 حزيران 2019، وكان يُدرك أنّ الرئيس عون وصهره يبذلان قصارى الجهود من أجل محاصرته بدعم من دمشق.

مرّة جديدة، يذكر جنبلاط التاريخ، فهو مدرك للصراعات التي واجهها الدروز والموارنة خلال القرن العشرين. وفي كل مرة يطرح فيها الموضوع، يتذكر جنبلاط الأمير بشير الشهابي الذي اعتنق المارونية، وحاول التخلص من الدروز ومن آل جنبلاط، لكن من دون جدوى. وقد قال الشهابي لبشير جنبلاط حينذاك: "لا يمكن للجبل أن يتسع لبشيرَيْن".

لذا يبذل جنبلاط جهودًا لتجنب حدوث أي مواجهة جديدة بين الدروز والموارنة، فهو مدرك للتوازن في الجبل، بعدما عمل بنفسه لتحقيق المصالحة. 

وفي أيلول 2019 طوى جنبلاط صفحة حادثة قبرشمون، بعد مصالحة جرت مع خصومه. إذًا "من الذي يستطيع أن يقضي علينا؟". يلخّص أحد المقرّبين من جنبلاط ما قاله في 19 تشرين الأول 2019، بما يلي "لماذا سنشعر بالضعف؟ من يستطيع أن يقضي علينا؟ كيف نسمح لجماعات لا تعرف التاريخ بالتخلص منا؟ وبحال كنا متهمين بالفساد فليثبتوا ذلك". كان جنبلاط تلقّى حينها اتصالا هاتفيا مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون ‏الشرق الأدنى، ديفيد شينكر، طلب منه فيه أن يستقيل وزراؤه وأن يقنع الحريري أيضًا بالأمر نفسه، إلا أنّ جنبلاط رفض ذلك. في الليلة ذاتها، رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع اتصالًا  مماثلًا من شينكر وأعلن استقالة وزرائه.

يومذاك أبلغ جنبلاط رئيس مجلس النواب نبيه بري بمضمون المحادثة، وقال له: "نحن مقتنعون بأنّ العمل يجب أن يمر من خلال الحكومة. سوف نطلق مبادرة لإعداد خطة إصلاحية لا بدّ من تبنيها واعتمادها بشكل سريع". وقد وافق بري وبدأ بتمهيد الطريق، واستهلّ وفد من "الإشتراكي" جولة على القيادات في 20 تشرين الأول، من بينها لقاء مع "حزب الله". 

وفي حين تفاقمت حركة الاحتجاجات والتطورات الإجتماعية التي حدثت بعد  الثورة، فإنّ جنبلاط أطلق حملة ضخمة لتقديم المال والمساعدات والوقود والغذاء بهدف تحقيق الاكتفاء الذاتي. وقال جنبلاط لنجله تيمور: "طالما أنّ المختارة موجودة، لا يمكن أن يواجه الدروز الجوع".

وبعد الإنفجار الذي هزّ مرفأ بيروت، كرّس جنبلاط كل ما بوسعه من أجل المبادرة الفرنسية، وقال "هذه هي الفرصة الاخيرة لإنقاذ لبنان"، علمًا أنّ منزل آل جنبلاط حافظ على علاقات مميزة مع فرنسا لثلاثة أجيال. وبهدف إنقاذ هذه المبادرة، قام جنبلاط بخطوة الزيارة إلى الرئيس ميشال عون في آذار الماضي، مقدّمًا نفسه كرجل تسويات يسعى لتسهيل تشكيل الحكومة. ويرى جنبلاط السياسة أنّها شيء في حركة مستمرّة، "ويجب أن نكون قادرين على مواجهة الموجة".

وكان كمال جنبلاط يكرّر نقلًا عن غاندي "علّمتني الحقيقة أن أرى جمال التسوية"، ويقول كمال جنبلاط: "يجب أن يُدرك القائد السياسي الوقت المناسب للتقدّم والتراجع، وأن يعرف متى يلتزم بهدنة ومتى يهاجم"، مضيفًا: "حتى البطولة تستاء من الذين يمارسونها طوال الوقت". 

واليوم فإن قلق جنبلاط ليس سياسيًا فحسب، بل وجوديًا، وهو دائم التفكير في سُبل الحفاظ على دور المختارة.

(*) المصدر: لوريان لوجور