Advertise here

إئتلاف هش لحكومة من تناقضات.. والهدف إزاحة نتنياهو

05 حزيران 2021 11:14:14 - آخر تحديث: 05 حزيران 2021 11:15:51

نجح زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد، رئيس حزب "هناك مستقبل"، ونفتالي بينيت زعيم حزب "يمينا"، الحزب اليميني القومي المتطرف، بتشكيل ائتلاف يضم إلى حزبيهما ستة أحزاب بينها القائمة العربية التي تضم أربعة نواب برئاسة عباس منصور، وذلك بهدف تشكيل حكومة والإطاحة بنتنياهو الذي استمر على رأس السلطة التنفيذية لمدة اثني عشر عاماً. ويبدو أن التوافق الذي حصل بين هذه الكتل المتناقضة أيديولوجياً، هدفه الأساسي إزاحة نتنياهو عن السلطة التنفيذية، والذي انهارت الثقة بينه وبين العديد من الكتل التي تشكّل منها هذا الائتلاف لاسيّما تكتل "أزرق أبيض" بزعامة غانتس، رأس الحربة في المواجهة.

التنازل الكبير الذي قدّمه لابيد، زعيم الأكثرية في هذا الائتلاف، إلى بينيت زعيم الصهيونية الدينية الذي يمتلك سبعة مقاعد كي يرأس الحكومة لأول سنتين، إنّما هو أمرٌ يحصل لأول مرة في تاريخ الحكومات الإسرائيلية، ويعكس حجم الرهانات الداخلية للحكومة، وفي مقدمها إزاحة نتنياهو الذي سيتحول حكماً إلى زعيم المعارضة اليمينية، كون حزب الليكود يمثّل أكبر كتلةٍ نيابية في الكنيست. لكن نتنياهو لم يستسلم لمجرد الإعلان عن تشكيل الائتلاف، وما يزال يراهن على الضغط الذي يمارسه على عددٍ من النواب اليمينيين للانسحاب من الائتلاف، وبالتالي إسقاط الأكثرية التي تشكلت، والانتقال إلى الانتخابات التي ستكون الخامسة خلال سنتين.

 المفارقة الثانية هي انضمام رئيس الحزب العربي الإسلامي، منصور عباس، إلى هذا الائتلاف الذي يضم صقوراً قومية ودينية ويمينية متطرفة لا تؤمن لا بحل الدولتين، ولا بالانسحاب إلى حدود العام 1967، بل تؤيد بشكلٍ مطلق التوسع بالاستيطان. ولأول مرة أيضاً في تاريخ الحكومات الإسرائيلية، تنضم كتلة عربية إلى ائتلاف حكومي إسرائيلي في توقيتٍ يطرح تساؤلات متعددة، علماً أنّ انضمام منصور عباس إلى هذا الائتلاف في ميزان القوى الحالي لن يتيح له تحقيق مكاسب مهمة للعرب داخل الخط الأخضر، أو التأثير بموضوع قانون القومية اليهودية، بل سيحقّق مكاسب وضيعة لا تتصل بالتأكيد بتحسين مكانة العرب الفلسطينيين سياسياً، أو حماية سكان أحياء الشيخ جراح وسلوان وغيرهما في القدس الشرقية، ووقف الاستيلاء على بيوتهم، أو وقف الملاحقات التي تجري بحق العرب الفلسطينيين الذين انتفضوا في المواجهات الأخيرة التي انطلقت من القدس، وانتهت بعدوان إسرائيلي إجرامي ومتوحش على غزة. ومن المؤكد أيضاً أنّ كل المسائل المتعلقة بالقضية الفلسطينية وحل الدولتين، لم يكن أي منهما على جدول المفاوضات بين منصور عباس ولابيد المكلّف رسمياً بتشكيل الحكومة.

ولم تظهر حتى الآن الدوافع الحقيقية التي قادت منصور عباس إلى هذا الموقف الذي تعارضه الأحزاب العربية داخل الخط الأخضر، والتي ترفض تغطية عربية لحكومة إسرائيلية برئاسة نفتالي بينيت، الذي يرأس إحدى مجالس الاستيطان، وهو المعروف بتطرفه اليميني القومي الرافض بالمطلق للانسحاب ولحل الدولتين، والمؤيّد للاستيلاء على بيوت العرب المقدسيّين. ويسود الاعتقاد بأن مشاركة الكتلة العربية في هذا الائتلاف تقف وراءها مصالح آنية وشخصية، ومصالح سياسية ضيّقة، وربما خضعت لإشارات خارجية لضمان تشكيل أغلبية قادرة على إبعاد نتنياهو عن السلطة التنفيذية. لكن مهما كانت الدوافع فإنّ هذه الخطوة تشكّل طعناً للإجماع الفلسطيني الذي تحقق في المواجهات الأخيرة، وانقلاباً على الدور الذي لعبه عرب الداخل في تكريس وحدة القضية الفلسطينية من غزة مروراً بالضفة، ووصولاً إلى القدس الشرقية، والمدن العربية داخل الخط الاخضر .

ومن الواضح أنّ هذا الائتلاف الهش- والقائم على تناقضات متعددة بوصفه خليطَ أحزاب وسط ويسار، وأحزاب قومية ودينية ويمينية متطرفة، وفي مقدمهم أفيغدور ليبرمن، وبينيت الذي سيرأس الحكومة لمدة سنتين، بحسب اتفاق التناوب- سيوجه اهتمامه إلى القضايا الداخلية الاقتصادية والصحية بشكلٍ خاص، كما ستكون اهتماماته مركّزة لترميم وتعزيز القبة الحديدية التي تعرّضت لاختراقات صواريخ حماس، والتأكيد على التحالف الاستراتيجي مع الولايات المتحدة الأميركية للاستمرار بتفوق إسرائيل في المجالات كافة، لا سيّما المجال العسكري، والتوصّل إلى موقفٍ مشترك حول مسألة الملف النووي الإيراني، وبالتالي لن تكون على جدول أعمال هذا الائتلاف المسائل المتعلقة بحل الدولتين، أو على الأقل العودة إلى طاولة المفاوضات من حيث انتهت في (عهد) حكومة أولمرت عام 2009. وقد نشهد مع هذا الائتلاف تعقيدات كبيرة لإعاقة إعمار غزة والاستمرار في حصارها، وكذلك الاستمرار بسياسة الاستيطان على النمط الذي كان يجري في حكومات نتنياهو.

الأيام القليلة القادمة ستظهر مدى إمكانية هذا الائتلاف في الحفاظ على الأكثرية البسيطة، والخروج بثقة الكنيست الإسرائيلي بحكومة ائتلافية، أو الذهاب إلى انتخابات خامسة. ومن المؤكد أنه في أي من الحالتين، لن تحظى القضية الفلسطينية بأي اهتمام، وأنّ عنوان التغيير لهذا الائتلاف لا يتعدى مهمة إبعاد نتنياهو عن السلطة التنفيذية. فصفحة هذا الأخير قد تطوى كرئيس حكومة، ولكن جراح الفلسطينيين ستستمر بالنزف مع هذا التوجّه المتطرّف الذي أنتجه مجتمع الدولة القومية اليهودية، والذي يعبّر عنه جيل سياسي جديد لا يؤمن بالأساس بحل الدولتين، وكان يقف إلى يمين نتنياهو في تقويضه لهذا المسار.