Advertise here

مأزق الدولة اليهودية

03 حزيران 2021 23:22:30

انتهت الحرب الباردة  لكن القضية الفلسطينية التي شكلت احدى القضايا الساخنة في هذه الحرب ، بقيت معلقة على مخططات الحركة الصهيونية ونظرياتها  في "الارض الموعودة"، ومقولة  "ارض بلا شعب لشعب بلا ارض". استخدام النصوص التوراتية لتبرير الاستيلاء على اراضي الفلسطينيين، وتحول إسرائيل الى دولة لليهود عام 2018،  قادا  الى  سياسات يمينية وقومية متطرفة، اتسمت بالعنف والاستيطان وتزوير التاريخ ، بهدف تهجير الشعب الفلسطيني وحرمانه من حقه في تقرير مصيره. 


بعد اتفاقيتي اوسلو، استمرت الحكومات  الاسرائيلية المتعاقبة بسياسة الاعتقالات وتهديد المدنيين الفلسطينيين وقتلهم، واذلالهم على الحواجز، الامر الذي ادى الى الانتفاضة الثانية في العام 2000  والشرارة كانت زيارة شارون الى الحرم القدسي .الاذلال الذي تعرضت له السلطة الفلسطينية في محاصرة مقراتها في مرحلة ياسر عرفات تبقى عالقة في ذاكرة الجميع. لم تكن ظروف محمود عباس افضل حيث استمرت سياسة الاطاحة بالاسس التي حددت للتفاوض على المرحلة النهائية التي تشمل الحدود والقدس والمستوطنات واللاجئين، وبالتالي اقفال مسارات الحل السياسي.

بالنتيجة، لا اتفاق اوسلو،  ولا قيام السلطة في رام الله اديا الى قيام دولة فلسطينية ، ولا استطاعت خارطة الطريق التي اعلنها الرئيس الاميركي جورج دبليو بوش عام 2002 ، ومعايير بيل كلينتون، ومبادئ جون كيري، ان تؤمن شروط الحد الادنى من قيام عملية سياسية تؤدي الى ولادة دولة فلسطينية قابلة للحياة. المبادرة العربية التي تم اقرارها في بيروت عام 2000، واللجنة الرباعية التي شكلت عام 2002 لم تؤديا ايضاً الى فتح افق جديدة للتسوية، ومنذ ذلك الوقت لم يشهد المواطن الفلسطيني سوى الاذلال والقتل والتهجير والاعتقال والحصار  وهدم البيوت واقتلاع الاشجار.

 
ولا شك في أن السياسة الخارجية للولايات المتحدة الاميركية في الشرق الاوسط والتي قامت على الدعم المطلق لاسرائيل وتعزيز تفوقها العسكري ، وعلى حماية  الحكومات الاسرائيلية في مجلس الامن، ساهمت في افلات إسرائيل من العقاب الدولي على الجرائم التي ارتكبت، وفي إعاقة العملية السياسية لمرحلة الحل النهائي. الود المفقود بين اوباما ونتنياهو لم يمنع حكومات هذا الاخير الاستفادة من سياسة التغطية والحماية التي وفرها له الكونغرس الاميركي، وذلك بانتهاج سياسات قومية ودينية قادت الى مواجهات دموية في قطاع غزة عام 2014، كما قادت الى التوسع بالاستيطان حيث وصل عدد المستوطنين منذ اوسلو وحتى اليوم الى أكثر من 400 الف مستوطن. طبعاً، راهن نتنياهو لاحقاً على تحالفه مع الرئيس الاميركي دونالد ترامب الذي أعلن عن رؤيته لتسوية النزاع الفلسطيني الاسرائيلي القائمة على ضم المستوطنات في الضفة الغربية وغور الاردن والاعتراف بالقدس عاصمة موحدة وابدية لإسرائيل. سبق ذلك قراره بنقل السفارة الاميركية الى القدس والاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان. راهن نتنياهو ايضاً  على معاهدات التطبيع الاخيرة ، وقد شكلت سياسة تغيير الوقائع  واستخدام القوة المفرطة لارهاب الفلسطنيين  وتحطيم ارادتهم على المقاومة العامود الفقري لخطته في افشال حل الدولتين .


الشرارة الاخيرة التي اندلعت في القدس وتوسعت لتشمل غزة والضفة والمدن المختلطة العربية الاسرائيلية وتعاطف جيل الشباب العربي ، تعكس وحدة القضية الفلسطينية. والاعتداء الوحشي على غزة يعكس فشل سياسات اليمين المتطرف ، كما يعكس ازمة خيارات ظهرت خلال الانتخابات الثلاث الاخيرة، حيث بات المعسكر المؤيد لحل الدولتين والانسحاب من الاراضي المحتلة في اضعف حال. الاعتداء الوحشي هذا  يعكس ازمة دولة ، انكشفت ممارستها العنصرية والقمعية أمام العالم باسره، فسقطت معها صورة "المنارة الديمقراطية" الوحيدة في الشرق الاوسط . هذه الازمة تطرح بقوة ، مخاطر وجود سلطة اقفلت الفرص لقيام حل الدولتين ، ولا تمتلك اي حل سياسي آخر، سوى العنف والتطرف في مواجهة شعب اثبت تمسكه بحقوقه وقدرته الفائقة على المقاومة . مع هذا النهج اليميني - القومي المتطرف الذي يغلب على توجهات المجتمع اليهودي في إسرائيل، وفي غياب الارادة والقدرة  الاميركية والدولية ، الامل بتطور سياسي يقود الى حل الدولتين ضعيف جداً.

المصدر: مجلة الامن العام