Advertise here

هل ستنجح قمة بايدن - بوتين في خفض التوتر العالمي؟

03 حزيران 2021 06:05:00 - آخر تحديث: 03 حزيران 2021 07:06:39

أكّد الرئيس الأميركي، جو بايدن، أنّه ينوي أن يرفع "قضية حقوق الإنسان" خلال لقائه المرتقب مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في جنيف في 16 حزيران الجاري، وعلى هامش اجتماعات قادة مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى، وحلف شمال الأطلسي، الذين يسعون إلى تشكيل جبهة واحدة ضد موسكو. وقال بايدن: "سأؤكد بوضوح أننا لن نقف جانباً، ولن نتسامح مع انتهاك حقوق الإنسان".

اجتماع القمة بين الرئيسين بوتين وبايدن، والذي ينعقد في ظل أجواء من التوتر الحاد، والتي تسود العلاقات بين موسكو وواشنطن على خلفية تبادل عقوبات واتهامات، يمثّل أول قمة روسية- أميركية منذ تولي بايدن الرئاسة، ومنذ اجتماع هلسنكي في تموز 2018، بين الرئيسين بوتين ودونالد ترامب.

الناطقة باسم البيت الأبيض، جين ساكي، قالت في بيان مقتضب،  "الرئيسان سيبحثان مروحة من القضايا الملحة، في وقت نأمل بجعل العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا أكثر استقراراً". وبدوره أوضح الكرملين أنّ الرئيسين ينويان، "بحث الحالة الراهنة والآفاق لتطوير العلاقات الروسية- الأميركية، وقضايا الاستقرار الاستراتيجي، والمواضيع الملحة في الأجندة الدولية بما في ذلك العمل المشترك في مكافحة جائحة فيروس كورونا، وتسوية النزاعات الإقليمية".

وفي هذا السياق أفادت مصادر أميركية مطّلعة، "أن ثمة حرصاً كبيراً على ألّا يكون اللقاء بين الرئيسين بايدن وبوتين بمثابة مكافأة للأخير، بل أن يشكّل الوسيلة الأكثر فاعلية لإدارة العلاقات بين البلدين، علماً بأنها صعبة، وستظل كذلك خاصة بعد وصف الرئيس الأميركي نظيره الروسي بالقاتل، واتّهام موسكو بالتدخل في الانتخابات الرئاسية الأخيرة لإلحاق الضرر بحملة الرئيس بايدن الانتخابية"، وأضافت، "أنّ بايدن يعتزم إثارة قضية بيلاروسيا ونظامها برئاسة الكسندر لوكاشنكو، حيث تعتبر موسكو الداعم الأكبر له". وسيبحث الرئيسان أيضاً، "ملفَّي إيران وكوريا الشمالية النوويين، إلى قضية القطب الشمالي والتبدّل المناخي وصولاً إلى الأزمة السورية".

وفيما تزامن إعلان موعد انعقاد القمة مع قول المعارض الروسي المسجون، أليكسي نافالني، إنه مستهدف بثلاثة تحقيقات جنائية، ومع تكثيف الضغط منذ أسابيع عدة على حركته وأنصاره، من المتوقع أنّ تخيّم أجواء التسريبات المرتبطة بأسرارٍ نووية متصلة بالقواعد النووية الأميركية في أوروبا وتركيا، والتي خرجت إلى العلن عن طريق الخطأ على يد الجنود الأميركيين، وفق تحقيقٍ استقصائي بريطاني، بحيث تتعارض أعداد تلك القواعد مع بنود معاهدة "نيو ستارت" لنزع السلاح الاستراتيجي، والتي جرى تجديدها خمسة أعوام جديدة بدايةً من شباط الماضي، والتي وقّعها البلدان عام 2010، وتنصّ على الحد من ترسانتَي الأسلحة لدى البلدين بحيث لا تتجاوز الواحدة منهما 1,550 رأساً، مما يعني خفضاً تناهز نسبته ثلاثين في المئة مقارنةً بالسقف السابق الذي حُدّد عام 2002.

التوتر في العلاقات بين واشنطن وموسكو ليس جديداً. فمنذ أزمة القرم عام 2014، تشهد علاقات روسيا مع الغرب عموماً، والولايات المتحدة خصوصاً، توتراً متزايداً تتفاوت حدّته من فترةٍ لأخرى، وقد ارتفع منسوبها في الفترة الأخيرة بسبب التدخلات المتتالية لموسكو في الانتخابات الأميركية عامي 2016 و2020، والتي أكّدتها تقارير استخباراتية وما تلاها من تصريحات واتهامات مباشرة بين بايدن وبوتين. وقد ازدادت الأمور تعقيداً بين الجانبين عقب اتّهام أوكرانيا لروسيا بحشد آلاف العسكريين على حدودها الشمالية والشرقية، وكذلك في شبه جزيرة "القرم". ونجح الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في جذب انتباه الغرب وخاصة الولايات المتحدة إذ تلقَّى، وبعد ساعاتٍ من تحرّك القوات الروسية، اتصالاً من نظيره الأميركي، جو بايدن، يدعوه فيه إلى عقد قمة ثنائية بين البلدين. كما أعرب بايدن عن قلقه بشأن التصعيد العسكري الروسي المفاجئ، مشدّداً على التزام الولايات المتحدة الراسخ بسيادة أوكرانيا وسلامة أراضيها، محذراً من عواقب استمرار تدخل موسكو في الشؤون الداخلية للولايات المتحدة الأميركية وشؤون حلفائها.

سياسة بايدن تجاه روسيا توازنُ بين التعاون والمواجهة، وقد لا تسفر عن أي تقدّم في العلاقات بين البلدين، لكنها تنطوي على العديد من المخاطر، وخاصةً بعد إعلان بايدن بأنّه لا يسعى لتصعيد التوتر في العلاقات بين البلدين، لكنه سيتخذ إجراءات أكثر صرامة إذا لزم الأمر، حيث سارعت إدارته إلى فرض عقوبات جديدة على أشخاصٍ وكيانات روسية، والتي أدرجتها في سياق اتّهام واشنطن لموسكو بالتدخّل في الانتخابات الرئاسية الأميركية من خلال الاختراق السيبراني، فضلاً عن اتّهام البيت الأبيض للكرملين بتسميم المعارِض الروسي البارز، أليكسي نافالني، وبتدخلاتها الخارجية المثيرة للقلق والمزعزِعة للاستقرار.

واتّساع نطاق العقوبات الأميركية الأخيرة ضد روسيا، والتي شملت 32 كياناً، لن يختلف في تأثيره المحدود عن سابقاتها، وهو مؤشرٌ على أن إدارة بايدن تحاول تخفيف حدة الصراع مع موسكو، سيّما وأن المسؤولين الخاضعين للعقوبات الجديدة لديهم القليل من الأعمال في الولايات المتحدة الأميركية، كما أن الدعم الذي تقدّمه الولايات المتحدة الأميركية لأوكرانيا، أمام تصاعد التوترات على أرض الواقع بشكل حاد، عبارة عن مجرد "دعم لفظي" لا قيمة له فعلياً.

وقد يكون من أولوية القمة المرتقبة بين الرئيسين الأميركي والروسي إطلاق حوار استراتيجي حول مجموعة من القضايا الدولية أهمّها الحد من التسلح، وهذا كان محور الاتّصال الهاتفي بين الرئيس الاميركي ونظيره الروسي، فالخلافات وتوتر العلاقات بينهما يجب أن لا يحولا دون تعاون الدولتين في المجالات والقضايا ذات الاهتمام المشترك، بحيث أنّ عدداً من القضايا يستوجب التعاون الوثيق بينهما، لا سيّما الحد من التسلّح النووي، والبرنامج النووي الإيراني، والوضع في أفغانستان، وتغيّر المناخ العالمي، فضلاً عن التنسيق بشأن تمديد اتفاقية "نيو ستارت" النووية.

ومن المتوقع أن يسعى الرئيسان للتخفيف من حدة التوتر بين بلديهما، خاصةً من قِبل بايدن، حيث تخشى واشنطن من تقاربٍ أكبر بين موسكو وبكين، وعليها استيعاب التغيّرات الهيكلية التي يمر بها النظام الدولي. وسيكون من الحكمة ألّا يسير بايدن على نهج الإدارات الأمريكية السابقة، والتي ركّزت بشكلٍ كبير على صعود الصين مقابل إهمال روسيا، على اعتبار أن نفوذها الدولي في تراجع. ورغم عدم امتلاك روسيا النفوذ نفسه الذي تمتّع به الاتحاد السوفياتي سابقاً، أو تمتلكه الصين اليوم، فإنها ليست الدولة الضعيفة التي يظنها البعض كما كانت في التسعينيات (من القرن الماضي)؛ فقد استطاعت إعادة إحياء قوتها السيبرانية والعسكرية والاقتصادية، كما طوَّرت أسلحتها النووية بدرجة أكبر من واشنطن، وباتت تشنّ هجماتٍ سيبرانية كبيرة على الأخيرة، بما يمكّنها من إلحاق الضرر بمؤسّساتها الحكومية وغير الحكومية.

وخلال لقاء جمعهما الأربعاء الماضي، على هامش انعقاد مجلس المنطقة القطبية الشمالية في ريكيافيك، أبدى وزيرا خارجية الولايات المتحدة وروسيا استعداد بلديهما للتعاون. وصرّح أنتوني بلينكن أمام الصحفيين قائلاً: "إذا أمكن لقادة روسيا والولايات المتحدة العمل معاً بشكل متعاون... سيكون العالم أكثر أمناً".

فهل ستنجح قمة الزعيمين في وضع أسسٍ جديدة للتعاون بينهما في عالمٍ يعاني العديد من الأزمات؟