Advertise here

بين بومبيو الوزير وغونتردين السفير

28 آذار 2019 09:30:00 - آخر تحديث: 31 آذار 2019 23:06:12

زار السيد مايك بومبيو وزير الخارجية الأميركية لبنان بعد زيارتين سبقه إليهما مساعداه السفيران ديفيد هيل وديفيد ساترفيلد. هيل حمل في زيارته الأولى إنذارات واضحة للبنان بسبب حزب الله "الإرهابي" وتهديده الأمن والاستقرار وسيطرته على القرار اللبناني. ساترفيلد كان أكثر تشدداً وقسوة في مضمون كلامه وأضاف الى ما قاله هيل أنه لا بد من تفاوض اسرائيلي - لبناني مباشر حول الحدود البحرية المتنازع عليها وأنه لن تكون رعاية للأمم المتحدة وذلك في انقلاب واضح على ما طرحه الموفد الأميركي السابق فريدريك هوف الذي كلّف بمتابعة الموضوع وقدّم خطة باتت تعرف بـ "خطة هوف" مقترحاً أن ترعى التفاوض بشأنها الأمم المتحدة. موقف ساترفيلد الجديد ورقة قوة لاسرائيل لتمارس ضغطها وابتزازها على لبنان. صحيح أن ليس لدينا موقف موحّد من إدارة هذه القضية الأساسية لكن لا خلاف عليها كقضية. كمبدأ. كحق للبنان في مياهه وأرضه وسيادته. الموقف الأميركي مع ساترفيلد هو محاولة كشف لبنان أمام اسرائيل وإبقاء القضية معلّقة وبالتالي دفع الشركات العالمية لعدم الاستثمار والتنقيب عن الغاز والنفط في المنطقة المتنازع عليها والسماح لاسرائيل باستباحة ثرواتنا. 

جاء بومبيو. كان واضحاً خلال عدد من اللقاءات أن ساترفيلد هو المحاور الأساسي. نعم. هذا ما حصل. والرجل يحمل أحقاداً وضغينة تجاه كل من يرفض طلباً أميركياً فكيف إذا كان طلباً اسرائيلياً. هكذا كان عندما كان سفيراً لبلاده في لبنان ولطالما اصطدمنا به وبمواقفه، وعندما بات موفداً إليه.

بومبيو أكّد الوقائع ذاتها وفتح ملف الحرب في لبنان محملاً مسؤولية كل ما جرى تقريباً الى حزب الله. لا حديث عن اسرائيل ودورها وتآمرها واحتلالها واعتداءاتها الدائمة المتكررة على لبنان. لو جاء بومبيو وتحدث بلغة دبلوماسية مؤكدة على الشرعية الدولية وقراراتها التي صوتت عليها الولايات المتحدة لكان ثمة شيئ من المنطق والواقعية والانفتاح على الحوار للوصول الى آليات لتنفيذ هذه القرارات. هو جاء من اسرائيل، مطلقاً تصريحاً يدعو الى تأييد وتأكيد موقفها في ضم الجولان. فلاقاه رئيسه من واشنطن ليؤكد: إنه الوقت الملائم لذلك. ووعد نتانياهو باستقباله بعد أيام وتقديم هذه الهدية الثمينة له. جاء من اسرائيل بعد اجتماع مركزي عالي المستوى بحضور رئيس جمهورية قبرص ورئيس حكومة اليونان ورئيس حكومة الإرهاب في اسرائيل حيث أكدوا الاتفاق بينهم على مد أنابيب الغاز والنفط من اسرائيل الى قبرص واليونان ومن هناك الى أوروبا دون الانتهاء من ترسيم الحدود مع الدول المعنية وعلى رأسها لبنان جنوباً، ولاحقاً شمالاً مع سوريا. وعندما نتحدث عن قبرص فإن تركيا معنية مباشرة لأنها لا تعتبر أن من حق الدولة القبرصية التصرف بثروات المنطقة، وعندما تشير الى اليونان فإن روسيا معنية بالمشروع بالجملة. وبموضوع اليونان خصوصاً بمعنى أن المسألة كلها تستهدفها وتستفزها لأن واحداً من أهدافها هو أن يمر نفطها من منطقتنا الى أوروبا. إذاً جاء بومبيو ليتحدث بلغة اسرائيلية بالكامل. حاول أن يقوم بحملة تحريض واضحة فاضحة ضد حزب الله وهذا لا يعفينا من واجب الاتفاق بيننا على إدارة سليمة وموحدة كي لا نفسح المجال للآخرين لاستغلال خلافاتنا حول ترسيم آليات الحدود البرية والبحرية ونعطي لاسرائيل وأميركا الذرائع لتبرير استهداف مصالحنا. بعض الواهمين في البلد، المصرّين على عدم التعلّم من تجارب الماضي أخذوا بكلامه. 

استنفروا مجدداً. لكن الغالبية لم تكن مع مواقفه. عبّرت عن آرائها بطرق ووتيرة وأساليب مختلفة. الأميركي يأتي. يحرّضنا. يختار ما يلائمه من تاريخنا أو حاضرنا وواقعنا السياسي ليغذي تحريضاً ضد حزب الله وامتداداً ليثير فتنة في البلد دون أن يفعل شيئاً عملياً سوى الاهتمام بمصلحة اسرائيل. أعادنا الى أيام المارينز وكأنهم كانوا سياحاً في لبنان. ولم يتجاوزوا ولم يستهدفوا فريقاً من اللبنانيين. يكفي أن يؤيد اسرائيل ليتأكد كل عاقل أن ليس ثمة نية أو رغبة حقيقية في  الوصول الى سلام واستقرار. اسرائيل دولة يهودية قومية لا حقوق لغير اليهود فيها. اسرائيل تتوسّع ولا دولة فلسطينية إلا ما يحاولون ترويجه عن تخصيص مبلغ من المال لحل المشكلة الإنسانية في غزة والتركيز على القطاع في محاولة بيع وشراء. وهذا ما أكده بومبيو في زيارته أيضاً، وسمع كلاماً محذراً من هذا النهج لأن القضية الفلسطينية لا تباع ولا تشترى حلولها بالمال!! وعندما يتحدث عن المنطقة والخراب فيها ألم يقرأ ويسمع ما فعله قادة حزبه الجمهوري في العراق وما سبّب من دمار وخراب وولّد من إرهاب؟؟ لقد اعترف قادة كبار في حزبه ودولته بالخطيئة الكبرى والفضائح التي نجمت عنها وكل ذلك موثق ومكتوب ومصوّر في فيلم "VICE" الذي يتحدث عن دور ديك تشيني نائب الرئيس في تلك المرحلة، والذي يعرض الآن على شاشات السينما المحلية والعالمية. لقد مارسوا الإرهاب ودعموا ويدعمون دائماً إرهاب اسرائيل. وأياً تكن الخلافات مع حزب الله فإنه في مواجهة اسرائيل مقاومة حقيقية أسقطت أسطورة جيش الإرهاب الاسرائيلي، وكذلك كل حركات المقاومة في فلسطين. هي حركات جهادية مقاتلة من أجل الحق والكرامة. وهذا واجب إنساني وأخلاقي. 

أما الحديث عن الحرية والديموقراطية. لقد دخلوا العراق بكذبة هي أسلحة الدمار الشامل. لكنهم قالوا حقيقة: نريد شرقاً أوسطاً جديداً. عنوانه الحرية واليموقراطية. دعموا دكتاتوريات. ويدعمونها. دعموا أنظمة مستبدة. عقدوا صفقات معها. أنتجوا حركات متطرفة ولّدت منظمات إرهابية. هدفهم دمار وخراب المنطقة والسيطرة على الغاز والنفط وحماية اسرائيل،  ولا حرية ولا ديموقراطية ولا من يتصرفون من أجل هذا الهدف النبيل في صفوفهم، بل أحرار في الأرض اللبنانية والفلسطينية خصوصاً يريدون تكريس حقهم وسيادتهم على أرضهم. 

آخر من يحق له الحديث عن الحرية والديموقراطية في هذه المنطقة هو اسرائيل دولة الإرهاب المنظّم ومن يدعمها وعلى رأس هؤلاء الولايات المتحدة الأميركية . 

بومبيو جاء محرّضاً. فرح بزيارته بعض اللبنانيين الذين يعيشون حالة من الوهم مجدداً. ويتباهى بعقوبات وضغوطات وسيناريوهات ليس في شيئ منهـــا مصلحة للبنان.  إذا تمعّنا في قراءة المشهد العام في المنطقة بهدوء وعقلانية وأحد أهداف "الزائر العظيم"، استمالة اللبنانيين المقيمين في أميركا ليصوتوا له في الولاية التي سيترشح فيها لعضوية الكونغرس. جولة إنتخابية في لبنان مارس فيها كل أنواع التحريض ضد استقرار وأمن البلد ونسيج العلاقات بين أهله. 

الزعيم الوطني وليد جنبلاط ومن موقعه كان في منتهى الوضوح والصراحة فيما طرحه من عناوين وملاحظات على السيد بومبيو. أتمنى أن يؤخذ بها لكن التجارب لا تشجع. تنتظرنا جولات سياسية حامية في البلاد للأسف. 

هي مصادفة. أنهيت قراءة كتاب السفير الأميركي السابق في لبنان جون غونتردن "مناطق الخطر". تعرّض خلال الحرب لمحاولة اغتيال اكتشف ان السلاح المستخدم فيها أميركي . 

يقول في كتابه أنه "عجز" في الحصول على كلمة أو موقف من إدارته حول هذه الحقيقة وتمّ إقفال الملف مع صمت كامل حول مضمونه. لماذا؟ لأن السلاح أميركي سلّم من قبل اسرائيل للجهة التي حاولت الاغتيال!!

ماذا يقول السيد بومبيو عن ذلك؟؟ يحرصون على أن كرامة السلاح الأميركي يجب أن تصان. ومستخدمه يجب ألاّ يدان حتى لو كان المستهدف من الأميركان!! فكيف إذا كان سفيراً للولايات المتحدة ووزارة الخارجية التي يقف على رأسها اليوم السيد بومبيو لا تبالي بمحاولة اغتيال سفيرها للسبب المذكور؟؟