Advertise here

مفاوضات فيينا النووية أمام ثلاث نقاط خلافية حساسة

01 حزيران 2021 15:31:26

 لم تفلح جولات المفاوضات الخمس بين إيران والولايات المتحدة الأميركية، عبر وسطاء مجموعة الدول (4+1)، الموقّعة على الاتفاق النووي في حزيران 2015، في ترميم الحد الأدنى من عناصر الثقة بين واشنطن وطهران. فقائد الحرس الثوري الإيراني، اللواء حسين سلامي، قال في تصريح له، "لا يمكن الوثوق بالولايات المتحدة"، مضيفاً أن "الاستراتيجية الأميركية في المنطقة في عهد الرئيس الأميركي جو بايدن لن تختلف عن (ما كانت عليه في عهد) سلفه دونالد ترامب".

تصريحات سلامي، التي جاءت في الوقت الذي تتواصل فيها المفاوضات الدولية لأجل إحياء الاتفاق النووي مع إيران، والتي قال عنها المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زاده، إنّها أحرزت تقدماً ملحوظاً، وأنّ هناك قضايا أساسية ما زالت بحاجة إلى حل، وأنّ "العقوبات يجب أن تُرفع كاملة، ويجب أن تتأكد إيران من ذلك... قبل أن نتراجع عن الخطوات النووية"، فيما أكّدت واشنطن استعدادها للعودة إلى الاتفاق إذا عادت طهران أولاً للالتزام ببنوده الصارمة المتعلقة بتخصيب اليورانيوم، ووضعت جملة شروط مقابل العودة ورفع العقوبات.

وتتفاوض إيران والقوى العالمية في فيينا منذ نيسان الماضي في محاولة لتحديد خطوات تتخذها طهران وواشنطن بشأن الأنشطة النووية والعقوبات للعودة إلى الالتزام الكامل بالاتفاق النووي. 

وفيما تفاءل دبلوماسيون غربيّون بإمكانية إبرام اتفاق هذا الأسبوع، نبّه آخرون إلى أنّ المفاوضات لم تصل إلى تسوية بشأن الكثير من الأسئلة الشائكة، فوزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، حثّ على بلوغ اتفاقٍ "قوي وطويل الأمد"، والى تطويق البرنامج النووي بشكل "أوثق"، وذلك في إشارةٍ منه إلى أنشطة إيران المزعزعة للاستقرار في الشرق الأوسط، ودعمها الجماعات الإرهابية، كما أسماها، وقال "إنّ بلاده لم ترَ بعد أي مؤشرٍ على أن إيران ستفعل ما ينبغي لها فعله، من أجل التقيّد بالالتزامات النووية في سبيل رفع العقوبات المفروضة عليها".

كلام بلينكن يلتقي مع تصريح المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل جروسي، في مقابلة أجرتها معه صحيفة "فايننشال تايمز"، والتي وصف فيها برنامج إيران النووي بأنه "مقلق للغاية". وقال: "إيران تخصّب اليورانيوم بدرجات نقاء 60 بالمئة، وهذه الدرجة لا يصل إليها سوى الدول التي تصنع قنابل"، وأضاف "التخصيب التجاري من اثنين إلى ثلاثة بالمئة".
واعتبر جروسي أن مستوى البحث والتطوير الذي تم الوصول إليه يُعدّ مشكلة، وأنّ "برنامج إيران النووي نما وأصبح أكثر تطوراً، لذلك فإن العودة المباشرة إلى اتفاق عام 2015 لم تعد ممكنة"، واستطرد قائلاً: "لا يمكنك إعادة الجنّي إلى القمقم بمجرد أن تعرف كيف تصنع شيئاً، فالسبيل الوحيد لكبح ذلك هو من خلال التحقّق".

مصادر دبلوماسية أوروبية أشارت في اتصالٍ مع "الأنباء"، إلى وجود ثلاث نقاط خلافية تعيق التوصل إلى اتفاقٍ أميركي – إيراني: النقطة الأولى، "أن الولايات المتحدة وافقت على رفع جميع العقوبات المرتبطة بالملف النووي الإيراني، والتي رُفعت بموجب الاتفاق المبرم في العام 2015، لكنها تربط إلغاء جميع العقوبات بمناقشة جميع الملفات، أي البرنامج الصاروخي والسياسات الإقليمية"، فيما تصرّ إيران على "رفع كل العقوبات، وترفض التفاوض على الملفات العالقة بين الطرفين".

ما تطرحه واشنطن هو، "تعليق العقوبات على الصادرات النفطية والبنك المركزي الإيراني فقط، وليس رفعها"، بحيث أن رفع إجراءات الحظر المفروضة في إطار قانون "كاتسا" المرتبط بمكافحة الإرهاب هي من صلاحيات الكونغرس، ويرتبط بجداول زمنية تصل إلى ستة أشهر قابلة للتجديد"، و"هذا ما يقلق إيران.

المصادر تشير إلى أنّ الإدارة الأميركية، "أعلنت موافقتها على رفع نحو 700 إجراء حظر من أصل نحو 1,500،  لكنها تعارض إخراج الحرس الثوري الإيراني من قائمة العقوبات، فضلاً عن كيانات وأشخاص آخرين، فهذا الأمر يرتبط بدور إيران في زعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة".

النقطة الثانية ترتبط بتطوير إيران لبرنامجها النووي خلال السنوات الثلاث الأخيرة. فالإدارة الأميركية ترى أنه بعد وقف إيران التزاماتها، قامت بتطوير قدراتها النووية إلى حدٍ بعيد، ولذلك فإن العودة إلى تنفيذ تلك التعهدات لا تكفي من دون إزالة آثار وقفها. وهي احتياطيات إيران من اليورانيوم المخصّب بدرجات أعلى من 3.67 في المائة، وهو الحد المسموح به في  الاتفاق النووي، وأجهزة الطرد المركزي المتطورة التي أدخلتها في الخدمة خلال السنوات الأخيرة، وإطالة أمد القيود الزمنية على النشاطات النووية، حيث أنّ بعضها انتهت وأخرى ستنتهي خلال الأعوام المقبلة. وهذه النقاط تقول المصادر إن إيران وافقت على بعضها فيما رفضت رفضاً قاطعاً تدمير أجهزة الطرد المركزي المتطورة التي شغّلتها في منشأتي "نطنز" و"فوردو".

وتوضح المصادر أن النقطة الخلافية الثالثة ترتبط بطريقة العودة إلى الاتفاق النووي وتنفيذه. فإيران تصرّ على أن تتخذ الإدارة الأميركية الخطوة الأولى، من خلال رفع جميع العقوبات، ثمّ تقوم طهران بالتحقّق من ذلك قبل تنفيذ تعهداتها، فيما وافقت واشنطن على رفعٍ تدريجي للعقوبات وفق جدول زمني يوفر لها فرصة التحقق من التزام طهران بتعهداتها النووية، وهذا ما ترفضه ايران.

وتشير المصادر إلى أن عامل الوقت يشكّل عنصراً ضاغطاً على مفاوضات فيينا للوصول إلى حلول وسط بشأن النقاط الخلافية المتبقية، خاصة بعد تمديد إيران للاتفاق المؤقت مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية لشهر واحد فقط (حتى 23 حزيران المقبل) المتزامن مع انتهاء الانتخابات الرئاسية، والتي من المرجّح أن يفوز فيها المتشدّد إبراهيم رئيسي، وترى أن، "عدم وجود بديل عن المفاوضات للتعاطي مع الملف النووي الإيراني يشكل عامل ضغط إضافي على طهران الغارقة في أزمتها الاقتصادية المستعرة، والتي قد تفرض عليها القبول بحلول جزئية للقضايا العالقة لا تلبي جميع مطالبها، سيّما وأنها تخشى عقد صفقة روسية- أميركية في القمة الرئاسية المرتقبة بين بايدن وبوتين تُفقدها شريكاً أساسياً في المفاوضات وفي ملفات عديدة.