أي رسالة فرنسية للطبقة السياسية بعد استقبال قائد الجيش في الإليزيه؟
30 أيار 2021
06:38
Article Content
شكّل استقبال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون هذا الأسبوع قائد الجيش اللبناني العماد جوزف عون مفاجأة ثقيلة لبعض السياسيين اللبنانيين وخصوصاً لمن طلبوا مواعيد من قصر الإليزيه ولم يتم تحديدها لهم، أو لمن حُدّدت لهم مواعيد ولم يتم الإضاءة عليها إعلامياً كما حصل مع قائد الجيش.
وجاء استقبال قائد الجيش في الإليزيه تتويجاً لسلسلة لقاءات بارزة شملت وزيرة الدفاع فلورانس بارلي ورئيس هيئة أركان الجيوش المشتركة الفرنسية الجنرال فرنسوا لوكوانتر حيث جرى البحث في حاجات الجيش وسبل دعمه.
وتباينت القراءات حول أبعاد زيارة قائد الجيش إلى فرنسا التي سيليها على الأرجح زيارة أخرى في وقت يُحدّد لاحقاً إلى الولايات المتحدة الأمريكية. فالبعض رغب في حصر الزيارة بهمّ قائد الجيش الأساسي في كيفية مواجهة التحدّيات لتمكين الجيش من تخطّي الأزمة الأصعب مالياً واقتصادياً التي يتعرّض لها، حيث أن قيمة الرواتب للضباط والعسكريين تدنّت كثيراً في مقابل الدولار الأمريكي، وباتت لا تكفي لسدّ الحاجات الحياتية والمعيشية. ومن الظواهر اللافتة أخيراً أن عناصر الجيش المنتمية إلى الأطراف أي من البقاع وعكار والجنوب باتت لا تطلب مأذونية لزيارة عائلاتها بسبب عجزها عن تأمين بدل النقل وتفضيلها توفير هذا البدل لشراء السلع الغذائية والحليب للأطفال.
أما البعض الآخر فأعطاها بُعداً مختلفاً وتعمّد النظر إليها من زاوية محاولات فرنسا لإدخال الجيش في مغامرات من دون أن يشرح طبيعة هذه المغامرات. لكن ما يقصده هذا البعض ضمناً هو دفع قائد الجيش إلى الاصطدام بالعهد وفريق التيار الوطني الحر وصولاً إلى تنفيذ انقلاب عسكري في حال حصول فراغ حكومي ورئاسي أو التأخّر في تشكيل الحكومة وعدم التزام المواعيد الدستورية لإجراء انتخابات رئاسية أو نيابية.
وإذا كانت القراءة الأولى أقرب إلى الواقع لجهة تركيز قائد الجيش على دعم حاجات المؤسسة العسكرية، إلا أنه من السذاجة بمكان قراءة هذه الزيارة فقط من زاوية التضامن الفرنسي مع الجيش ودعم احتياجاته العسكرية والمادية. فمن المعروف أن فرنسا لم تعد تثق بالطبقة السياسية التي تجاهلها وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان في جولته الأخيرة في بيروت بعدما نكث زعماء هذه الطبقة بوعودهم للرئيس ماكرون بالإسراع في تأليف حكومة مهمة لإنقاذ لبنان من الانهيار وحشد الدعم الدولي لمساعدته بشرط تطبيق برنامج إصلاحي ووقف الفساد.
وإذا كان لودريان فضّل الالتقاء بنواب مستقيلين وهيئات من المجتمع المدني في قصر الصنوبر، فإن زيارة قائد الجيش إلى باريس تندرج في إطار رهان فرنسا على المؤسسة العسكرية باعتبارها العمود الفقري الأخير الذي يُعوّل عليه لإعادة توحيد البلاد وتأمين الاستقرار والتي لا شبهات على قائدها بالانغماس في الفساد ولا يمكن إتهامه بقمع التظاهرات السلمية ضد السلطة على الرغم من العنف الذي مورس في بعض الأحيان من قبل بعض الألوية ولاسيما في المناطق ذات الأغلبية المسيحية. من هنا، تسعى باريس إلى حماية الجيش وعقد مؤتمر دولي لدعمه علماً أن الولايات المتحدة تُعتبر الداعم الأكبر لتسليح الجيش ومدّه بالمعدّات والمساعدات العسكرية لتوفير الاستقرار ومنع حزب الله من توسيع هيمنته وسيطرته والإمساك بكامل بقرار الدولة الأمني والعسكري بشكل كامل.
وعلى الأرجح فإن الدعم الأميركي والفرنسي للجيش هو الذي يثير حفيظة البعض في الداخل اللبناني ممن يريد للبنان أن يتجه شرقاً وتحديداً نحو إيران وسوريا. ولذلك فإن أي زيارة يقوم بها قائد الجيش إلى باريس أو واشنطن تصبح محط قلق وتساؤلات لدى فريق الممانعة الذي يبدأ بإصدار الأحكام المسبقة حولها وإطلاق التأويلات بشأنها، ومنها أخيراً التشويش على اللقاء في قصر الإليزيه والتحذير من الإقدام على «مغامرات فاشلة». ولكن خلافاً لهذه التسريبات، فإن مصادر مطلعة على أجواء الاجتماع أفادت «القدس العربي» أن الحديث السياسي غاب عن اللقاء بين ماكرون وعون، واقتصر على الوضع بشكل عام وسبل دعم المؤسسة العسكرية في ظل التداعيات السلبية للأزمة الاقتصادية والمالية لإدراك القيادة الفرنسية أن أي زعزعة يتعرّض لها الجيش ستؤدي إلى زعزعة البلد. وفي اللقاءات الثلاثة التي عقدها العماد عون برز حرص فرنسي على لبنان وكان الهمّ الاساسي كيفية حماية البلد ومنعه من الانهيار، وهذا ما سمعه قائد الجيش بوضوح من الرئيس ماكرون الذي أبلغه «أننا سنبقى إلى جانب لبنان وندعم بشكل مطلق للجيش».
وإذا كان التلميح إلى «مغامرات فاشلة» يَقصِد به البعض محاولة فرنسا تشجيع الجيش على تنفيذ إنقلاب عسكري أو تشكيل حكومة عسكرية انتقالية أو إدخال إسم قائد الجيش في بورصة المرشحين إلى رئاسة الجمهورية كبديل عن الأسماء المطروحة حالياً، فإن المؤسسة العسكرية تحرص على عدم الدخول في أي قراءات أو أبعاد سياسية وغير سياسية لزيارة قائد الجيش، علماً أن مصادر مقرّبة من قيادة الجيش كانت نفت في وقت سابق لـ»القدس العربي» أي توجّه لدى القيادة لتنفيذ إنقلاب عسكري أو أن يكون لقائدها أي طموح رئاسي.
يبقى أنه ولو لم تكن فرنسا الناخب الأول للرئيس اللبناني، فإنه بمجرّد استقبال الرئيس ماكرون لقائد الجيش هو رسالة بحد ذاتها إلى الطبقة السياسية في لبنان وإلى الطامحين إلى رئاسة الجمهورية، شاء العماد جوزف عون أو أبى إدراج زيارته الباريسية في خانة منافسة أي كان، ولاسيما أن الظروف هي التي ستحدّد طبيعة المرشح الرئاسي وليست المرة الأولى ولا الأخيرة التي يدخل فيها إسم قائد الجيش في السباق الرئاسي بعد تجربة كل من اللواء فؤاد شهاب والعماد إميل لحود والعماد ميشال سليمان والعماد ميشال عون الذي كان قائد جيش سابق.
إعلان
يتم عرض هذا الإعلان بواسطة إعلانات Google، ولا يتحكم موقعنا في الإعلانات التي تظهر لكل مستخدم.